اللوبي الصهيوني في قلب بروكسل
لا يخفى على أحد النفوذ الكبير للوبي الصهيوني، الموالي للكيان الإسرائيلي، على الساحة الأمريكية، ولكن ما هو غير معروف ماهية نفوذه في بروكسل، مقر المؤسسات الأوروبية، حيث تقوم شبكاته، وبمساندة نظيراتها في أمريكا، بمحاولة ترسيخ المكانة المتميّزة لهذا الكيان في الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض اتخاذ أي تدبير ضد إسرائيل جراء انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن الملاحظ أن اللوبي الصهيوني يتمتع “بمعاملة “خاصة” يمتاز بها على سائر الكيانات الأخرى لدى الاتحاد الأوروبي، وهذا ما شرحه مصدر في البرلمان الأوروبي قائلاً: “عندما وضعت روسيا عام 2015 أسماء بعض النواب الأوروبيين على قائمة سوداء لمنع دخولهم إلى أراضيها قام رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز بالحد من حرية الدبلوماسيين الروس في الوصول إلى البرلمان، أما “إسرائيل” فلا تتردد في وضع النواب الأوروبيين الداعمين للقضية الفلسطينية على قائمة سوداء، وتمنع أعضاء البرلمان الأوروبي من دخول قطاع غزة منذ 2011، مع بعض الاستثناءات النادرة، دون أن يؤدي ذلك إلى أي رد فعل مضاد من جانبنا”.
لا تظهر نشاطات هذه الجماعات تماماً على الملأ في أوروبا، مع ذلك فهي تنشط منذ بداية الألفية الثانية في توطيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، وإن لم يكن رضا بروكسل بنفس الأهمية الحيوية التي يمثلها رضا واشنطن، إلا أنه لا يقل عنه أهمية من الناحية الاستراتيجية. فالاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للكيان الإسرائيلي، ولقد منحها مكانةً متميزة تدريجياً في مجالات حاسمة، كالبحوث العلمية والابتكار والمخابرات.
ولقد قام اللوبي الصهيوني بأول تمركز فعلي له في أوروبا إثر الانتفاضة الثانية التي اندلعت في أيلول 2001، ويقول الصحفي الكندي دافيد كرونان: “لقد أدركت إسرائيل ما لها من سمعة كارثية نتيجة قمعها للمقاومة الفلسطينية، فحاولت تعويض شرعيتها المهتزة بتلميع صورتها لدى النخب الأوروبية”، وبعد انقضاء خمسة عشر عاماً، يبدو أن عملية الزراعة الاصطناعية قد نجحت تماماً، وبات لإسرائيل شبكة نفوذ لا تضاهيها أي جماعة ضغط أخرى بفضل الراعي الأكبر الأمريكي.
ومن المجالات التي تتدخل بها هذه الشبكات بشكل خاص السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد، أما الضغط الذي تمارسه على المفوضية الأوروبية -التي تملك وحدها المبادرة التشريعية، وتضع القرارات الأوروبية موضع التنفيذ وتدير المعونة المالية لصالح البلدان المختلفة وبرامج التعاون معها- فيكتسي أهمية جوهرية، حتى إن بعض الإدارات تخضع لمراقبة عالية كإدارة التجارة والضريبة والاتحاد الجمركي المكلفة بمتابعة مسألة شائكة كمنتجات المستوطنات، وكذلك إدارة البحوث والابتكار التي تموّل مباشرة برنامج “أفق 2020” الذي تشارك به “إسرائيل”.
وبإمكان الكيان الإسرائيلي الاعتماد على من يعتبرهم حصناً منيعاً في وجه الإسلام والمتواجدين في صفوف المحافظين وفي صفوف التيارات اليمينية الراديكالية أو المتطرّفة التي تتقرب منها “إسرائيل” بالرغم من علاقاتها المشبوهة بما تسميه معاداة السامية. ستة من أصل ثلاثة عشر عضواً مؤسساً في البرلمان الأوروبي ينتمون إلى هذه التيارات، ولقد عقدت هذه المجموعة التي أنشئت عام 2017 العزم على تشجيع التبادل التجاري مع المستوطنات في الضفة الغربيةعلى الرغم من حظر القانون الدولي له.
هيفاء علي