أخبارصحيفة البعث

ترامب.. وورقة الانسحاب من الناتو

 

على مدار العام 2018، أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشاريه سراً عدة مرات أنه سينظر في إخراج بلاده من حلف الناتو إذا لم يغيّر الأعضاء الآخرون السياسات العسكرية للحلف، وخاصة فيما يتعلق بزيادة ميزانياتهم العسكرية، كما أعلن أن التحالف الأمريكي مع الناتو “يكلفنا ثروة”. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون خداعاً أو مجرد تهديد، إلا أن ترامب سيوجه ضربة كبيرة لوحدة الناتو وللقيادة الأمريكية. يقول الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس: “حتى مناقشة فكرة ترك الناتو – ناهيك عن فعل ذلك فعلاً – ستكون هبة القرن لبوتين”. إذ إن الناتو مختلف جوهرياً عن المنظمات والآليات الدولية الأخرى التي انسحبت منها الولايات المتحدة، فالناتو هو حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إذ تلعب الولايات المتحدة دوراً بارزاً في التحالف العسكري، وإذا كانت الولايات المتحدة على وشك مغادرة الناتو، فإن حلفاءها سوف يستعدون للتغيير الجذري في الديناميات العالمية.
لقد عكّرت كلمات ترامب بالفعل أجندة حلف الناتو، ومع أن هذا العام يصادف الذكرى السنوية السبعين لتأسيس التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، إلا أن الاحتفال المقرّر في نيسان في واشنطن قد تم تخفيضه إلى مستوى وزراء الخارجية، ولن يتم في العاصمة الأمريكية.
منذ أن ترك وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس منصبه في بداية هذا العام، زاد القلق بشأن احتمال تخلي الولايات المتحدة عن الناتو، وفي تحذيرٍ لترامب من محاولة الانسحاب فجأة من حلف الناتو، وافق مجلس النواب الأمريكي في 22 كانون الثاني على تشريع صادر عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأغلبية 357 مقابل 22 صوتاً، على الرغم من أنه ليس له إلزام قانوني الآن، إلا أنه سيقيّد بالتأكيد تصرّف عمل الرئيس إلى حد ما.
يهدف تهديد ترامب بمغادرة الناتو إلى تحقيق غرضين. أولاً، يريد ترامب من أعضاء الناتو الآخرين أن يحذوا حذو الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة إنفاقهم العسكري، وقد كان هذا مطلباً قديماً من جانب الولايات المتحدة، وليس من قبل ترامب، فالولايات المتحدة مسؤولة عن 72 في المئة من إنفاق حلف الناتو، وهو ما يعادل 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وبالمقارنة فإن الميزانيات العسكرية لألمانيا والمملكة المتحدة تشكل 1.2 في المئة و1 في المئة من ناتجهما المحلي الإجمالي على التوالي. ويعتقد العديد من الأمريكيين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا، أنهم لا يحصلون على مكسب حقيقي من ذلك. ثانياً، يريد ترامب أن يستخدم ذلك كورقة مساومة مع الديمقراطيين لإغرائهم بتقديم تنازلات بشأن تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، قد يكون هذا هدف ترامب الفعلي الآن.
السبب في قدرة ترامب على لعب بطاقة “الانسحاب” هو أن القوانين المحلية والدولية للولايات المتحدة تنطوي على ثغرات كثيرة، فالدستور الأمريكي يمنح الرئيس سلطة اقتراح الاتفاقات والتفاوض بشأنها مع الدول، ومن حق الكونغرس الموافقة عليها، ومع ذلك فإن الدستور لا يتضمن الإجراء الخاص بإنهاء معاهدة، ما يجعل هذا الحق خاضعاً لسلطة الرئيس.
في عام 1978، عندما وقّعت الصين والولايات المتحدة البيان المشترك حول إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، كان الرئيس جيمي كارتر يحاول إلغاء معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان، وكانت القضية تحت الأضواء. فطالما أن الكونغرس لا يعارضها، يحق للرئيس إلغاء معاهدة، لكن ذلك يشكّل بالتأكيد ثغرة، لكن لم يتوقّع حلفاء الناتو قضية الانسحاب، ومع ذلك فإن أولئك الذين صاغوا المعاهدة لم يفكروا أبداً في أن الولايات المتحدة نفسها تريد الانسحاب من المنظمة.
عناية ناصر