الفكر العربي الحديث والمغالاة في التوصيف
شكل عصر النهضة العربية بما عرفه من أعلام ومفكرين ،موضوعا دراسيا للكثير من أنماط الكتابات والأبحاث الفكرية والتاريخية،التي عملت،وفق وجهات نظر متعددة ومتباينة أحيانا،إلى تسليط الضوء على هذه المرحلة الهامة من تاريخ أمتنا العربية المعاصر. وقد تراكمت هذه الدراسات بفعل التقادم الزمني،ليصل بعض المهتمين بالاشتغال بها إلى نقل أو ترويج مغالطات وتناقضات جمة،ومبالغة في إضفاء الصفات في غير محلها أحيانا على الكثير من أعلام هذه المرحلة.
ولأن أغلب هذه الدراسات قد اعتمدت على مصادر محددة فإنها ركزت على جوانب بعينها وأهملت جوانب أخرى ظلت مغيبة عن القارئ.
وإذا استثنينا كتاب ألبرت حوراني “الفكر العربي في عصر النهضة” 1962. وكتاب هشام شرابي “المثقفون العرب والغرب..عصر النهضة”1970. الكتابان الهامان الملهمان، فإن عشرات الكتب الأخرى التي جاءت بعدهما يمكن التوقف عندها والتمحيص في فحواها.
وفي محاضرته الموسومة ب”قراءة في دراسات الفكر العربي الحديث”التي يفتتح بها الموسم الثقافي لفرع اتحاد الكتاب العرب في حمص،يتوقف د. عبد الرحمن البيطار عند بعض هذه النماذج من الكتب ويرى فيها الكثير من المغالطات، فالكثير من الألقاب التي ألقاها الدارسون على بعض رجالات ذلك العصر قد لاتتطابق مع ما قدموه، مستغربا لماذا تم التركيز على أسماء محددة ومحدودة وما الغاية من الترويج لجوانب معينة من حياتها؟ وقد صدرت الآلاف من الكتب وعشرات الآلاف من المقالات والمحاضرات في الدول العربية تبالغ في مدح هؤلاء الأشخاص.
وتوقف د. البيطار عند بيت الشعر المنسوب لإبراهيم اليازجي: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب/ فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
هذا البيت الذي جاء في معناه مئات القصائد لكن تم تكراره دون سواه، وعلى هذا النحو قرأنا عن بطرس البستاني والكواكبي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وسلامة موسى وفرح أنطون وشبلي شميل وأديب اسحق وغيرهم من كتاب سلطت الضوء على جوانب من حياتهم وأغفلت جوانب أخرى، وكل كاتب يختار مايناسبه من كتاباتهم ويردد القارئ ماكتب، وكثير من هؤلاء الدارسون لا يقرؤون آثار هؤلاء،بل يكتفون بالكلمات التي نقلها الدارسون”الأيديولوجيون” المؤيدون والمعارضون عنهم.
ويسوق البيطار مثالا عن عبد الرحمن الكواكبي الذي صدرت عنه كتب كثيرة ولم يخل كتاب يتناول عصر النهضة والإصلاح إلا ويتحدث عن الكواكبي وكتابيه “طبائع الاستبداد وأم القرى” علما أن الكواكبي كان في أيامه من رجال الحكم والإدارة ويعلن نفسه من الأشراف، وعندما تعرض لمشاكل مع العثمانيين غادر حلب إلى القاهرة المحتلة من الانكليز.
وهناك أيضا محمد رشيد رضا الذي اشتهر بمجلة المنار واسعة الانتشار في تلك المرحلة وصدرت عنه العديد من الكتب وقليل من الناس يعرف أنه استلم رئاسة المجلس السوري عام 1919 خلفا لهاشم الأتاسي الذي أصبح رئيسا للوزراء في حكومة فيصل الذي عينه الجنرال اللمبي حاكما على القسم الشرقي من بلاد الشام المحتلة.
وهناك كتاب بعنوان “أسرة المراش الأدبية في حلب”عيسى فتوح ، يتحدث فيه بكثير من العشوائية والمغالاة في المديح وإطلاق الألقاب وسرد المعلومات المتناقضة عن هذه العائلة، فلم يدع فتوح وصفا معاصرا إلا وأضافه، ليخلص د. البيطار إلى نتيجة أن عشرات الكتب التي صدرت عن هؤلاء الإصلاحيين كتبت بطريقة إنشائية وعشوائية.
وينتهي المحاضر في قراءته مع سلامة موسى الإصلاحي المصري الذي لم تكف المجلات عن الكتابة عن فكره الثوري والذي قال عنه عباس محمود العقاد إنه مثقف منبهر بالغرب ومنفصل عن جذوره العربية ومعتد بالفرعونية ويدعو للعامية ولا يمكن الأخذ بالكثير من آرائه عن النظام الليبرالي والتقدم وتحرر المرأة.
وقد أنكر موسى أن يكون للإغريق أي فضل في العلوم فهم شعوب عاشت على جهد العبيد الذين كانوا يستخدمونهم في الأعمال المنزلية والزراعة، وكانوا يحتقرون كل الأعمال التي يقوم بها العبيد، ولذلك حرموا أنفسهم من العلم لأنهم عاشوا عالة على العبيد.وهو بهذا ينكر كل ما جاء به أرسطو وأفلاطون وغيرهم.
آصف إبراهيم