علي مقوص.. الإنسانية شجرة مقدسة
افتتح في صالة تجليات للفنون الجميلة معرض الفنان التشكيلي علي مقوص تحت عنوان “ومضات عشق” مهداة لروح الفنان الراحل نذير نبعة معلم العديد من الفنانين السوريين وأستاذهم في كلية الفنون الجميلة، وعلي أحد أولئك الذين تأثروا بتعاليمه التشكيلية وقد كتب عن ذلك في دليل المعرض: “أواخر السبعينيات كانت بداية تعرفنا على نذير نبعة، تعرفنا على نبع من إنسانية وملاذ تفهم واحتضان، هذا النبع كان معلما وأبا روحيا، فنان ليس كغيره حملنا منه قيمه الوجدانية والمعرفية وتعرفنا على وعي تشكيلي كان له عمق الأثر على تكوين مفهوم ثقافة اللوحة وفلسفتها لدينا.. لم يرحل بل استحالت روحه لومضات عشق وفن وأثر النبع والشجرة المثقلة بالثمار ولا يزال.. كثيرا ما كنت ألوذ إليه لأعرف أين أضع قدمي، كنت أسافر من اللاذقية إلى دمشق ومن المحطة إلى بيته ومرسمه المفتوحين لطلابه على مدار الوقت فيشاهد دراساتي وأتلقى ملاحظاته التي طالما أثرتني، ثم أعود وأنا أشعر أن ثمة تغييرات قد طرأت على رؤيتي للعمل الفني بتأثير من ملاحظاته العميقة.. رحل نذير نبعة المادة إلا أن شعلة روحه مازالت متقدة”.
يشتمل المعرض على أكثر من حالة تشكيلية لكن الشخصية الفنية الواضحة جعلت من الفارق غير ملحوظ في المعنى التقني، إلا أن لشخصية الموضوع الأثيرة حضورا طافيا وفياضا، إنه الشجرة والمكان وعوالم إنسانية متماهية مع الأشجار في حضور مقدس وفيض كبير من العاطفة التي لا يخفيها الفنان مقوص تجاه موضوعه الذي تعامل مع تجلياته بروح صوفية ملحمية، وقد أوضحت إدارة الصالة ذلك في تقديمها للمعرض: “في تجربة الفنان علي مقوص هو هذا الطقس الملحمي من زاوية الوجداني المتماهي مع هذه الطبيعة التي تقيم هذه العلاقات المتناغمة مابين مفرداتها والإنسان بحيث تتحول الشجرة إلى حالة من الوجد المكتنز بتاريخ من الأحاسيس والانفعالات والتغيرات البصرية بالمعنى الفني من الأسود والأبيض إلى اللون، إضافة للتغيرات والتراكمات الروحية التي أنضجت طاقة اللوحة وكان هذا لها مدّ روح الفنان فغدت ملحمة حياة ووجود، وهنا يرسخ الفنان أن للوحة زمنها ومكانها الخاصين وطاقتها أيضا، هذه الطاقة التي تتمايز بالعلاقات الخطية واللونية والصياغات الإيقاعية بها، فيما الحركة والصمت والفراغ والاكتناز وصولا إلى التونات اللونية والضوئية متناغمة مع الشعور المعرفي، وهذا ما يجعل لوحة وشجرة علي مقوص حالة متفردة ومؤثرة وهو ما يمنح التجربة مرتبة الإبداعية الفنية”.
نحن أمام شجرة علي مقوص المكتنزة بالكثافات الرمزية ويمكن لأي ثقافة في العالم أن ترى فيها رمزها الخاص فكيف عندما تكون الشجرة في سماء اللوحة وتصير الرحم والمعنى وتصير المزار والضوء وحولها وتحتها الطواف الكبير لتكتمل دائرة الطقس، هذا يصل مباشرة إلى المتلقي لا بل ويدخل المتلقي في حالة طواف، وذلك لأن لكل من شجرته الرمز، وهنا المشترك يحمل كثافة الرمز الذهني وكثافة الصورة اللوحة وفي كلاهما رؤية ومشترك.
لهذه التجربة ما يميزها أيضا وهي تجوالها الحذر في الجانب التقني قائمة على ثقة في فن الرسم وثقة كبيرة في دور الفن ورسالته الإنسانية، فلم تذهب في مسارات أخرى مثل بقية الفنانين الذين سقطوا في جيب المقتني ومزاجه، كما أنها تحولت إلى تجربة معلمة للأجيال الجديدة من الفنانين الشباب تعلموا منها ومن لمستها الإنسانية الغامرة والتي لم تبخل عليهم قط سواء فيما يخص الرسم واللوحة والرؤية.. علي مقوص فنان يختلف عن الكثير بثقافته ووعيه وبانتمائه السوري العميق للمكان والجمال والروح الطاهرة.
أكسم طلاع