ثقافةصحيفة البعث

أحمد رزق حسن: القصة القصيرة جداً ملعبي الفكري

“أمسكت القلم لتحدد بداية روايتها الرومنسية، استجمعت كامل قواها الفكرية، باشرت بحرق نفايات الماضي، داهمت النار كل نقطة بروحها، عندما وصل الحريق لمشاعرها، بَقرَ البطل حروفها وأطفأت دمعة نار الجرح”.
كلمات قليلة كوّنت قصة قصيرة مكثّفة بعنوان «بطل من ورق»، حيث أطلق القاص أحمد رزق حسن العنان لإبداعه لتحتل القصة جزءاً كبيراً من حياته، وحيّزاً واسعاً من اهتمامه. فاز الحائز على درجة الماجستير في الهندسة المدنية بالجائزة الأولى لدار “دلمون” للقصة القصيرة لعام ٢٠١٨ عن مجموعته القصصية «بارقة شجن»، حيث ضمت المجموعة كافة أنواع القص من القصة القصيرة والقصيرة جداً والومضة.
وللوقوف على تفاصيل أكثر حول كتابته للقصة القصيرة كان هذا الحوار : أسلّط الضوء بكتاباتي على معاناة الطبقة الكادحة للتعبير عن مشاكلها والتحديات التي تتعرض لها يومياً، أما بالنسبة للقصة فهي متنفس روحي وملعبي الفكري المفضل. لا ألتزم بنمط أو موضوع واحد عند كتابتها، فأكتب القصة بتسلسلها المنطقي المعتاد وأكتبها بأسلوب «الفلاش باك» أي الرجوع بالحدث للخلف، وتؤرق مخيلتي القصة الوطنية كما الإنسانية والعاطفية.
أما عن القصة القصيرة جداً فهي القطعة النثرية التي تشبه قطعة الألماس والتي كيفما تمعنت بجمالها وجدت بريقاً جديداً يشدك لفكرتها أكثر، تحمل كافة عناصر القصة القصيرة الكلاسيكية ولكن بأسلوب مكثف وبلغة شعرية مضافة، فمن الضروري في «ق.ق.ج» أن يرتبط العنوان مع النهاية برابط خفي يجعل المتلقي يحلّق بهذا الفضاء القصصي المبتكر، ولا بد أن تحمل في الوقت نفسه الحدث الواحد الذي تقوده عدد شخصيات قليل، وأن تتحدث عن مشكلة ما أو معاناة متجددة أو موقف مدهش. وقد تميز عدد كبير من الكتاب السوريين بكتابتها وكان لها جذور في أدبنا العربي العريق.

تحوّل
وعن كيفية مقاربته بين الهندسة والقصة القصيرة قال: الإبداع ممارسة أو إنتاجاً مطلباً ضرورياً للإنسان، يشبه الطعام والشراب لحد كبير، فالشهادة الجامعية لا تحدد اتجاه الإبداع الذي يسلكه إنسان، فهنالك مثلاً رياضي قد درس الطب البشري، ورسّام قد درس علم الكيمياء، الإبداع هو إبداع بكل أشكاله وألوانه، وأنا من جهتي أحب القصة منذ طفولتي والهندسة لم تكن يوماً عائقاً بوجهي لأعبر عن رؤيتي في الحياة بل بالعكس كانت رافداً إضافياً لذلك.

الحطب
وعن عمله الدؤوب في تطوير حالة الإبداع لديه قال: القراءة ضرورة ملّحة لاستمرار الإبداع الأدبي، فإذا شبّهنا الكتابة بالنار فالقراءة هي هذا الحطب الذي لا يمكن أن تشبّ بدونه وتخبو ما لم تتزود به. كان لي العديد من المشاركات الثقافية التي صقلت تجربتي، وكنت بها على احتكاك مباشر مع أدباء كبار في القصة والرواية وحتى في الشعر، كما أني أدمنت على مدار سنة ونيف على حضور لقاء الثلاثاء الأدبي الذي يقيمه الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين أسبوعياً، وبقيت على تواصل مع مبدعين جهابذة عاصروا غسان كنفاني ومحمود درويش ونزار قباني وغيرهم من أدبائنا العرب الفطاحل، فكنت أنهل منهم ومن ثقافتهم، ثم أعود إلى بيتي وأرتب هذه المعلومات وأشذب تلك الملاحظات وأسقطها بشكل مباشر على القراءات التي أختارها بعناية فائقة، فليس أي قصة تستهويني وتشدني، مما أدى إلى إنتاج قصص نوعية إلى حد ما، وأود الإشارة هنا إلى فكرة مهمة وهي أهمية الفضاء الأزرق “الفيس بوك” فهناك مجموعات تعتني بالأدب بكل أجناسه وتقدم النقد الموضوعي ويعرض أمام نقّادها، وأذكر من هذه المجموعات «واحة القصة القصيرة، فن القصة القصيرة»، في الحقيقة كنت حريصاً دائماً على قراءتها ومتابعة نقد وقصص الأدباء المشاركين فيها وعادة ما كنت أجد تشجعياً حقيقياً على الاستمرار بالكتابة، بالإضافة إلى رابطة القصة القصيرة في سورية، هذه الرابطة التي تعتني فقط بالقصة القصيرة جداً.

مسرح معقد
بكلمات بسيطة وعدد قليل استطاع القاص الشاب أحمد رزق حسن تجسيد الواقع، حيث قال عن هذا الجانب: الواقع مسرح معقّد وليس من السهل إسقاط أي شخصية منه على قصة قصيرة ما لم يعاد دبلجتها إن صح التعبير، ولا شك أن القصة تبقى طلقة الصياد الحذّق، على أن النقاد فرّقوا ما بين الرواية والقصة، حيث قالوا أن الرواية تمثّل قطاعاً طولياً في الحياة، أما القصة فهي تمثل قطاعاً عرضياً في الحياة لذلك يجب أن تكون القصة مضغوطة تعتمد على الأسلوب المكثف وعدد الشخصيات القليل مع محدودية الزمان والمكان، والنهاية الصادمة المدهشة. لقد تميزت مجموعتي الفائزة -وهي قيد الطباعة- «بارقة شجن» برصد حالات تكلمت فيها عن قضايا المرأة وهموم الطبقة الكادحة وعن بطولات الجيش العربي السوري بمواجهة الإرهاب، وأعتبر هذه الجائزة حافزاً كبيراً لكتابة الأفضل، فالجوائز تُحمّل الأديب مسؤولية كبيرة لأن هناك دائماً قارئ متعطش للجمال.
جمان بركات