صحيفة البعثمحليات

مدرّسونا.. و”الخصوصيّة”..!

عادت إشكاليّة الدّروس الخصوصيّة ومشروعيّتها إلى الواجهة، مع ما أُثير من لغطٍ في وسائل التّواصل الاجتماعيّ حول مداهمة بيوت مدرسّين من قبل ضابطةٍ عدليّةٍ عائدةٍ لإحدى مديريّات التّربية.!

لغطٌ أثار حفيظة نقيب المعلّمين، الذي عقّب بالقول: ( كيف لنا أن نقبل أن يمارس المعلّم مهنة سائق تكسي، أو بائع خضار، بينما يمكنُه ممارسة مهنته كمدرّسٍ، في إطارٍ منظّم وقانونيّ ومؤسّسات مرخّصة؟). مستطرداً: (الضّابطة العدليّة في مديريّات التّربية تمارس عملها تحت إشراف الوزارة بشكلٍ منظّم وقانونيّ، وليس كما تمّ تصويره عبر وسائل التّواصل الاجتماعي!؟). وفي هذه اللّجّة تعود ظاهرة الدّروس الخصوصيّة؛ إلى سوق التّداول الشّعبي، بما لها من موجباتٍ وأسباب، وبما عليها من ملاحظاتٍ ومثالب، تستوجب وضعها على طاولة النّقاش الهادئ والتّقييم الهادف، بما هي من قضية مُؤرِّقة تُثقل كاهل نسبةٍ لا بأس بها من الأُسر، ولا سيّما بعد أن تفشّت، وباتت في جانبٍ من جوانبها: تجارةً رائجةً رابحةً؛ لا تراعي الواقع المعيشيّ لعموم الأسر السوريّة.!؟ فهل هي مخرجاتُ نقصٍ وخللٍ في تأدية المعلّمين والمدرّسين لواجبهم.؟ أم تقصيرٌ من المدارس.؟ أم ثمّة ضعف في المستوى المعرفي للطلاب.؟ أم هي ثقافة أسريّة ارتداديّة ناجمة عن تحليق معدّلات القبول الجامعيّ، وما يرافقها من استنفار أسريّ لخوض حرب: أجزاء العلامة.؟ فضلاً عن ذرائع صعوبة المناهج وكثافتها.؟

لرُبّما الأسباب السّابقة مجتمعةً جعلت منها واقعاً لا مفرّ منه، وأضحى من البديهيّ أن نجد كثيراً من الطلاب يتخفّفون من التزامهم المدرسيّ، ويعتمدون كليّاً على هذي الدّروس الخصوصيّة..! وإذ يُسجّل أكاديميّون متخصّصون تحفظّاتهم على هذي الدّروس باعتبارها سلّعت بعض المدرّسين، وحوّلتهم إلى شكلٍ من أشكال العرض والطّلب، في سباقٍ محمومٍ في مضمار استعراض الإمكانات والمقدرات، بما لا يليق برسالتهم التّربوية، لدرجة أصبحت معها بعض الصّحف الإعلانيّة تغصّ بإعلاناتٍ عن مدرّسين ومعلّمين، مقرونة بأرقام هواتفهم، يعرضون استعدادهم للدّروس الخصوصيّة وللمواد كافّة، كما بتنا نجدها -بكلّ أسف- كملصقاتٍ على جدران بعض المدارس وأسوارها، وبنماذج عدّة، مُذيّلة بعرض الحسميّات..!؟

كما يصف بعض التّربويّين الظّاهرة بأنّها تعطّل مهارات التّفكير والابتكار، وتُحيل إلى الاتّكاليّة؛ وفي المقلب الآخر ثمّة متخصّصون وتربويّون أيضاً؛ يرون أنّه ومع تطوُّر المناهج والامتحانات وصعوبتها، وازدياد أعداد الطلبة في القاعة الصّفيّة؛ ما لا يتيح للمدرّس إثراء المادة أو إعطاء كلّ طالب حقه من العناية؛ تغدو الدّروس الخصوصيّة ملاذ الكثير من الطلبة، ولاسيّما منهم طلاب الشّهادتين الإعداديّة والثّانويّة.!

والحال أنّ وزارة التّربية باتت مطالبةً أكثر من أيّ وقت مضى؛ بوضع ضوابط وأسسٍ للحدّ من تفشّي هذه الظّاهرة، واجتراح البدائل الموضوعيّة لها؛ كإقامة دورات تعليميّة في مجموعاتٍ وحلقاتٍ قليلة العدد، لتحقيق الفائدة القصوى للطّلبة، بالتّعاون مع نقابة المعلّمين، واتحاد شبيبة الثّورة، وبما يتناسب والواقع الاقتصادي لشرائح الطّلاب كافّة، وبما يحفظ هيبة المعلم ورصانته، ويغطّي حاجته، ويُمكّنه من تأدية واجبه ورسالته بالوجه الأمثل..!

أيمن علي

Aymanali66@hotmail.com