في حضرة الحديث عن الإعمار تحديد أولويات ونوع الاستثمار يضع الحكومة على محك دراسة الواقع الاقتصادي والمؤسساتي للدولة
دمشق – ميادة حسن
غرقت أحاديثنا ومجالسنا الاقتصادية وجلساتنا الحكومية بجلجلة الاستثمارات واستقطاب المستثمرين وتشغيل رؤوس الأموال، وتهافت الجميع نحو خطط مستقبلية وعرض الأفكار والمشاريع وتكاليفها لدرجة أننا لم نعد نستطيع استيعاب المليارات التي تكلف كل مشروع، وبحجة المرحلة القادمة وما تفرضه علينا من تطوير وبناء وإعادة إعمار بدأنا البحث عن طرق مختلفة لجذب المستثمرين، والبحث عن إغراءات كثيرة تسمح بمشاركتهم بهذه الاستثمارات واستقطابهم إلى الداخل السوري.
فمن وجهة نظر علمية علينا أن نؤكد ضرورة الترحيب بمن يرغب الاستثمار لدينا؛ فالواقع يشير إلى الحاجة الملحة للنهوض بالقطاعات المختلفة التي بدورها تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة يصعب توفرها بإمكانات البلد التي لا تغطي إلا جزءاً منها، فحجم الطلب لهذه القطاعات كبير جداً.
توظيف الأموال
تعي الحكومة تماماً دور التسهيلات والإعفاءات وتخفيض الضرائب على حوامل الطاقة والمحفزات الأخرى في الوصول إلى المستثمرين واستقطابهم وخاصة المستثمر الأجنبي الذي يتمتع بإمكانات وموارد عالية، وهي تسمح بتسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمرحلة الإعمار حرجة وتحتاج لجهد إضافي وعالي المستوى، وقد يكون للأصدقاء الأولوية في ذلك خاصة أنها دول غير محتكرة، ومع ذلك فإن المستثمر يحرص على أرباحه وحصد جهوده الاستثمارية، وهذا ما يفرض علينا العمل بخطة واثقة وحذرة للوصول إلى نسب عالية من النجاح، والاستفادة القصوى من جميع المشاريع التي تقدم للحكومة لإحداث تنمية حقيقية ومستمرة للمستقبل البعيد، وبحسب دكتور الاقتصاد فادي عياش لابد من دراسة انعكاس الاستثمارات على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن السوري، وهنا يكمن “مربط الفرس”، فالدعوة إلى الاستثمار يجب أن يرافقها توجيه حكومي يعي تحديد الأولويات ونوع الاستثمار بالتحديد، وهذا يحتاج إلى دراسة الواقع الاقتصادي والمؤسساتي للدولة، وأماكن توظيف الأموال بما يعود بالفائدة والتنمية الحقيقية للمجتمع، كالتنمية الزراعية والصناعية ودعم التصدير الخارجي للمنتج المحلي، وقد يكون أمامنا فرصة حقيقية لتنمية الأرياف والنهوض بها، وهذا يقع على عاتق الحكومة وقدرتها على دفع المستثمرين نحو هذا النوع من الاستثمارات من خلال تقديم سياسة تنموية واضحة، وخطة تشغيل للاستثمارات القادمة وجذبها عبر التسهيلات والامتيازات المختلفة.
استثمارات تنموية
علينا الاعتراف بأن الاقتصاد السوري يحتاج إلى جميع أنواع الاستثمارات السياحية والزراعية والصناعية، لكن رأس المال جبان ويبحث عن الربح والسرعة بالاسترداد؛ لذلك تتوجه معظم الاستثمارات بما يحقق لها المكاسب، وفي هذا السياق يرى أستاذ الاقتصاد عابد فضلية أن دور الحكومة في توجيه الاستثمارات يرتبط بتسهيل وتوجيه الاستثمارات حول المشاريع الأكثر جدوى تنموياً واجتماعياً، وليس عبر القوانين والتعليمات، وبمعنى آخر إيجاد مناخ استثماري للمشاريع الأكثر استدامة، أي القطاعات السلعية والتحويلية، وتسهيل التوجه لها عن طريق الضوابط والتشريعات، وتخفيض الرسوم الجمركية للمواد الأولية، وتسهيل التراخيص لها، ودعمها من قبل التجارة الخارجية، وتقديم كل الحوافز لهذه المشاريع الاستثمارية التنموية والتوجه للقطاعات الزراعية والصناعية، ويضيف فضلية أن دور الدولة في توجيه الاستثمارات هو ناظم وأبوي تشريعي عبر عدة طرق وإجراءات تتخذها لتشجيع المستثمر للاتجاه نحو استثمارات مستدامة، كإعطاء المزايا ودعمها من خلال القروض المصرفية، وإعفائها من الرسوم، ودعم تصديرها وتحقيق الربح لها، ويستبعد فضليه تجاهل الحكومة لهذا الجانب الاستثماري، ويرى أنها تولي أهمية كبيرة للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ولجودة المنتجات الزراعية وتحسين أنواعها، لكن المطلوب هو دفع المستثمرين وتشجيعهم لدخول قطاعات زراعية وصناعية عبر زيادة المحفزات وتشجيع رأس المال الخاص، وطمأنته بما يتعلق بالربحية.
متطلبات حقيقية
مواجهة حقيقية تفرض نفسها على الحكومة، كونها أمام مخاوف كبيرة فيما يتعلق بالاستثمار ومتطلباته من مرونة وتبسيط للقوانين والإجراءات لتشجيع المستثمر، وأمام ضرورة اتخاذها لمسار استثمار تنموي اجتماعي اقتصادي يحقق تطوراً حقيقياً لمؤسساتنا وقطاعاتنا، ورفع مستوى دخل المواطن الذي انتظر ومازال ينتظر تحسن سبل معيشته، فالفرصة الآن تسمح للحكومة رسم تصوراتها ومشاريعها للمستقبل القادم بما يتناسب مع خصوصية مجتمعنا، والاستفادة القصوى من مواردنا الطبيعية، والقضاء على هدرها وتجاهلها كمحرك اقتصادي هام، وضخ رؤوس الأموال القادمة في مشاريع تلامس متطلبات حقيقية للبلد، وتحقق تطوره والارتقاء به وترسم خطوات وخططاً مستقبلية قادمة تتيح للمواطن العيش بكرامة وبمستوى يليق بإنسانيته.