اقتصادصحيفة البعث

غير منصفة

تسعيرة الأطباء غير منصفة للمريض ولا للطبيب..! هذا ما يمكن استخلاصه من شكايات الطبيب والمريض معاً، ولكل أسبابه المقنعة والمفحمة..! الطبيب محق بالقول: إن التسعيرة غير منصفة؛ لأن مستلزمات “الطبابة” ارتفعت مع تراجع سعر صرف الليرة من جهة، وارتفاع تكاليف الحياة اليومية من جهة أخرى، وبالتالي لا يمكنه أن يتقاضى تسعيرة لا تراعي المستجدات الجديدة، وإلا سيضطر للهجرة خارج البلاد كما فعل الكثيرون إبان الحرب على سورية..! والمريض محق بالقول: إن التسعيرة غير منصفة؛ لأنها تفوق دخله كثيراً، وإذا اضطر لأسباب قاهرة للجوء للطبيب للعلاج أو الجراحة فسيستدين حتماً من الأهل أو المصارف..! والمشكلة بالمحصلة ليست بالتسعيرة بحد ذاتها، فغالبية الأطباء لا يلتزمون بتسعيرة وزارة الصحة حتى قبل عام 2011 من جهة، ولأن زبائنهم يدفعون التسعيرة صاغرين؛ لأنهم غير مقتنعين بالبديل المجاني في المشافي والمراكز الحكومية من جهة أخرى..! ولأنها غير منصفة فإن معظم الأطباء يخالفون تسعيرة وزارة الصحة ويفرضون التسعيرة التي يرون أنها تتناسب مع الخدمة التي يقدمونها للمريض، وهو غالباً إما من المقتدرين مالياً، أو مضطر للدفع ولو على حساب حاجات أساسية أخرى..! ولأنها غير منصفة أيضاً فإن الكثير من المرضى إما أنهم يتطببون في المشافي الحكومية أو في المراكز التي تتبع لجهات خاصة أو جمعيات خيرية تتقاضى غالباً أجوراً بمتناول الجميع..! ونستنتج مما سبق أن أمام المريض خيارات عديدة: الطبيب الخاص أو المشفى الحكومي، أو المراكز التي تتبع لجمعيات خيرية أو بعض الجهات الخاصة كغرف التجارة..! ويجب أن يعترف الجميع أن هذه الخيارات نادراً ما تتوفر في بلد غير سورية..! ولكن.. أن تطالب نقابة الأطباء (بإغلاق جميع المراكز الصحية في الجمعيات الخيرية التي تقدم خدماتها بأقل من الحد الأدنى من تسعيرة وزارة الصحة) فهذا يعني أننا أمام إشكالية غير مسبوقة..! ولكي تكون النقابة منسجمة مع نفسها فيجب أن تكون المطالبة أيضاً تشمل الأطباء الذين لا يلتزمون بتسعيرة وزارة الصحة، بل إن بعض الأطباء وهم قلة لا يتقاضون أجراً من المرضى غير القادرين على الدفع، فهل ستطالب النقابة بإغلاق عياداتهم..؟ كما أن بعض الجمعيات لا تقدم خدماتها بأجور رمزية فقط، بل إنها تمول العمليات الجراحية للمحتاجين لها في المشافي الخاصة، فلماذا لا تطالب نقابة الأطباء بإغلاق هذه الجمعيات أيضاً..؟! ليس صحيحاً أن هناك جمعيات خيرية تخفض السعر للكشف الطبي مقابل حصولها من المريض على مبالغ كبيرة نتيجة العمليات الجراحية، فهذا يتناقض أساساً مع تأسيس الجمعيات الخيرية التي تسعى جميعها لخدمة ومساعدة “المهدودين” دخلاً..! إن المطالبة بإغلاق الجمعيات الخيرية لا يختلف عن المطالبة بإلغاء الطبابة المجانية في سورية مع ما يشكله ذلك من خطر على ملايين الأسر السورية..! ومن المهم التأكيد بأن أجور الأطباء المرتفعة كانت وراء قيام مراكز صحية تمولها اتحادات ونقابات مهنية، وتأسيس جمعيات خيرية تقدم الطبابة والجراحة للمهدودين مالياً..! بالمختصر المفيد: لوحة الطبابة في سورية متنوعة، والخيارات متاحة ومريحة للجميع سواء للمقتدرين أو المهدودين مالياً.. فلماذا تتذمر نقابة الأطباء من هذا التنوع..؟!  علي عبود