واشنطن تفقد مكانتها.. وانتقادات حادة لسياسات ترامب
لم يعُد الخطر الذي يمثّله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقتصر على الساحة الدولية فقط، بل إن الشعب الأمريكي ذاته بدأ يشعر بأنه مهدّد مباشرة بعد مجموعة من قراراته المثيرة للجدل التي أدّت إلى نشر حالة من القلق في المجتمع، وخاصة قرار الإغلاق الحكومي، الذي كاد يتسبّب بركود في البلاد، وكذلك إعلان حالة الطوارئ، الذي أثار انتقادات حادة له في الداخل، وخاصة في أوساط حزبه الجمهوري.
فقد حذّر السيناتور الديمقراطي كريس كونز من قيام الكونغرس بسابقة فظيعة تتمثّل في السماح لرئيس بإعلان حالة الطوارئ الوطنية للالتفاف على دور الكونغرس في التشريع المالي، وشدّد على أن الكونغرس سيدافع عن حقه في كونه الهيئة التي تقرّر سياسة الإنفاق الفيدرالي، مؤكداً أنه لن يسمح للرئيس ترامب باستخدام هذا الإجراء المتطرّف كقاعدة لفتح الاعتمادات المالية.
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أكد من جهته أن الكونغرس مقفل ولن يعطي ترامب ما أعطاه لرؤساء سابقين، وأضاف: “أعتقد أننا يجب ألا نضع سابقة فظيعة تتمثّل في السماح لرئيس بإعلان حالة الطوارئ الوطنية ببساطة كطريقة للالتفاف حول عملية تخصيص الكونغرس”، وأردف: “الكونغرس سيدافع عن حقنا في أن نكون الهيئة التي تقرّر الإنفاق الفيدرالي، ولا نسمح للرئيس باستخدام هذا الإجراء المتطرف كقاعدة حول عملية الاعتمادات المالية”.
وقد ارتفعت في الأوساط الرسمية الأمريكية مؤخراً الأصوات المحذّرة من إمكانية فوز ترامب بولاية رئاسية جديدة، حيث حذّر حاكم ولاية ماساتشوستس الأميركية السابق بيل ويلد من فوزه في انتخابات الرئاسة المقبلة، مؤكداً أن ستة أعوام أخرى من ألاعيب ترامب في البيت الأبيض ستلحق ضرراً جسيماً بالولايات المتحدة.
وأضاف ويلد، وهو أول جمهوري ينافس ترامب على ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة عام 2020: “إن حالة الطوارئ الوطنية التي أعلنها ترامب يوم الجمعة الماضي لتأمين التمويل لبناء سياج على الحدود الأمريكية – المكسيكية تظهر استعداده لإثارة انقسام بالبلاد”، وتابع: “لا أعتقد أنه يعرف كيف يتصرّف.. هو يعتقد أنه ينبغي له أن يهين أي شخص يتعامل معه وإلا فسيكون شبه رجل”.
ورغم أن فرص نجاحه قد تكون ضعيفة إلا أن ويلد دافع عن ترشحه قائلاً: إن هدفه فقط “التأكد أن ترامب لن يكرّر الفوز.. ليس لدينا ستة أعوام أخرى للألاعيب.. هذا سيضر البلاد”.
وكان ترامب أعلن يوم الجمعة الماضي حالة “الطوارئ الوطنية” لتمويل الجدار الذي يرغب ببنائه على الحدود مع المكسيك، وهو ما قوبل بردود فعل غاضبة من العديد من المسؤولين الأميركيين وبينهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والسيناتور تشاك شومر كبير الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، اللذان أكدا أن ترامب بهذه الخطوة ينتهك الدستور، وقالا: إن الكونغرس “لن يترك ترامب يمزّق الدستور”.
بالتوازي، أكدت مجلة دير شبيغل الألمانية أن الولايات المتحدة تواصل فقدان مكانتها على الساحة الدولية والتراجع أمام دول مثل روسيا والصين رغم إصرار مسؤوليها على الادّعاء والمفاخرة بقيادة العالم، وأشارت المجلة إلى تصريح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في مؤتمر ميونيخ للأمن حول تصدّر بلاده العالم، حيث قوبل كلامه هذا بوجوه متحجّرة من ممثلي الدول الأوروبية الذين استمعوا إليه في المؤتمر.
وسخرت المجلة من ادّعاء بنس أن الولايات المتحدة برئاسة ترامب أصبحت “أقوى من أي وقت مضى، وأصبحت مرة أخرى زعيمة للعالم الحر”، وقالت: إن “العالم الموازي المذهل الذي وصفه بنس في خطابه ليس لديه الكثير من القواسم المشتركة مع الواقع.. فأمريكا لا تقود العالم لأنها تفقد قوتها ولأن بلداناً كروسيا والصين وحتى إيران مستمرة في الاندفاع إلى الأمام”، وأضافت: إن العلاقات عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة تعاني من أعمق أزمة في التاريخ، بينما لا تزال الولايات المتحدة رغم أنها لم تعُد في مكان القيادة في العالم تصدر التعليمات والتوجيهات للآخرين، مشيرة إلى أن الأوروبيين يعتبرون أن الرؤى الأمريكية للقيادة لا تتطابق مع رؤاهم وأفكارهم للشراكة.
وكان مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن كشف حجم التصدعات والخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث شنّت الدول الأوروبية التي تعتبر حليفة تقليدية لواشنطن هجوماً واسعاً على ترامب وسياساته الخارجية التي أثارت على مدى العامين الماضيين أزمات دبلوماسية عدة بين ضفتي المحيط، واعتبرها الأوروبيون معادية لحلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتضر بمصالحهم.