دراساتصحيفة البعث

هل يريد الغرب السلام فعلاً؟

عائدة أسعد

من الواضح أن أيّ نزاع يحدث في بلد ما سيتجاوز تأثيره الحدود الإقليمية للبلدان المجاورة، واعتماداً على الموقع الجغرافي والمصالح الجيوسياسية وأهداف الجهات الفاعلة قد يمتدّ الضرر إلى العالم بأسره بشكل مباشر أو غير مباشر.

والأمثلة واضحة في الحالتين – فلسطين المحتلة والصراع الروسي الأوكراني- وكيف تدرّجت تداعياتهما مع مرور الوقت لتشمل المصالح العالمية الرئيسية مثل الطاقة وسلاسل التوريد وطرق الملاحة البحرية.

وفي خضمّ هذه الصراعات التي تغذّيها طموحات الهيمنة والنفوذ على حساب مصالح ومخاوف الآخرين، ينبغي على القوى الكبرى أن تدرك مسؤولياتها تجاه الحروب والسلام والأمن والصراعات والاستقرار العالمي.

ولكن من المؤسف أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة لا تريد أن تلعب هذا الدور انطلاقاً من هيمنتها الكبيرة على النظام الدولي الذي تتآكل مؤسساته مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، كما أن شعور الولايات المتحدة بالقوة أو الرغبة في الحفاظ على النزاعات لمصلحة قيادتها المنفردة للعالم يجعلها تتصرّف بطريقة غير مسؤولة، بل تدعم إشعال الصراعات وتمويل الأطراف على أمل إلحاق هزيمة استراتيجية بمنافسيها مثل روسيا، ولهذا ترفض أفكار السلام الواقعية أنى جاءت، وتحاول اتهام أصحابها بدعم روسيا، وتنسى أنها هي أكثر من تفعل ذلك.

لقد كان من الممكن تجنّب النزاع الأوكراني لو التزم الغرب بقيادة واشنطن بتعهّداته للاتحاد السوفييتي بعدم التوسّع عسكرياً بالقرب من حدوده عندما وافق على توحيد ألمانيا، وقد اعترف المسؤولون والأكاديميون الأمريكيون ذوو التحليلات السياسية الثاقبة المشهود لها بأن مسؤولية الصراع تقع أولاً على عاتق الغرب بسبب تخليه عن التزاماته وتجاهل مخاوف روسيا حتى عندما قدّم رؤية للردّ قبل الحرب.

والعالم يدرك المبرّر الذي استخدمه الغرب لفرض عقوباته على روسيا كرادع لوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لكن وعلى الرغم من شدة العقوبات دخلت روسيا الحرب لسبب بسيط، وهو أنها اضطرّت إلى ذلك، ولم تستطع التوقف دون تحقيق أهدافها.

لقد شهدنا تأثير الصراعات والعقوبات على حياة شعوب العالم بمستويات متفاوتة، من أسعار الطاقة إلى الحبوب والأسمدة إلى معدلات التضخم وتسريح العمال، وعلاوة على ذلك، فإن شبح الحرب العالمية الثالثة يعود كلما تم التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو الإشارة إليها.

إذن، ماذا فعل الغرب لتحقيق السلام؟ قد يكون الجواب سؤالاً آخر: هل الغرب يريد السلام فعلاً؟.

من المؤسف أن الغرب حاول تشويه صورة كل دولة أو داعية للسلام، واقترح أفكاراً في هذا الشأن، وبمجرد أن كان لأميركا أي علاقة بأزمة هنا أو صراع هناك، فقد اعتمدت على استراتيجية إعلامية ودعائية موازية في اتهام منافسيها بإقحامهم في المسؤولية حتى عندما لم يكن لهم أي دور، وكل ذلك لتحقيق الهدف وصرف الانتباه عن دورها وتشويه سمعة الآخرين من خلال تهديد وتقويض الأمن والاستقرار العالميين.

وتواصل أمريكا القيام بالدور نفسه في غزة من خلال دعمها العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي للاحتلال الإسرائيلي وتبرئته من كل جرائمه رغم شهادات منظمات الأمم المتحدة والتحقيقات الصحفية.

كذلك ينظر الغرب بشكل عام إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار باعتبارها دعماً لما يسمّونه الإرهاب، واتخذت بعض الدول إجراءاتٍ عقابية ضد طالبي السلام، وعلى الرغم أن مثل هذه المواقف تقوّض الاستقرار وتعرقل السلام، إلا أن الغرب يستخدم معايير مزدوجة ويفسّر القوانين والقيم وفقاً لمصالحه.

لقد وصل تأثير حرب غزة إلى طرق باب المندب البحرية، وهناك تأثير في مسار السفن وارتفاع تكاليف التأمين وأسعار السلع الأساسية، إلا أن أمريكا لا تريد الاعتراف بهذه العلاقة، وتحاول معالجتها بطريقة عقيمة دون حل المشكلة الأساسية المتمثلة في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة ومستقلة.

ومع ذلك، هناك وعي عالمي بأن الغرب هو المسؤول الأول عن تهديد الأمن والاستقرار، وأنه لا يزال يتعامل مع الآخرين بمنطق ماضيه الاستعماري، ويمنح لنفسه حصراً حق تقرير المصير، ويتدخل في شؤون الآخرين، فهو يقدّم الدروس ويتصرّف كما لو أنه العالم المثالي مع أنه بالطبع ليس كذلك.