ترامب المجنون!
مع وصول المرشح الشعبوي دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن في خطابه الافتتاحي عن برنامجه الهادف إلى إعادة التوازن في تقاسم الأعباء داخل التحالفات، إضافة إلى تقليل العجز التجاري الأمريكي، وهذا ما عنى، بعبارة أخرى، الانتقال من التدخل في كل دول العالم إلى التدخّل لتحقيق المصالح الأمريكية فحسب.
على التوالي، بدأت السياسات الأمريكية بالتدرج نحو الانتهازية و تصاعدت الانسحابات الأمريكية من الاتفاقات الدولية، وكل ذلك في إطار “ترشيد التدخل الأمريكي” في الخارج وعدم الانخراط في أية التزامات مالية جديدة لمحاولة سد العجز التجاري، فكانت البداية مع الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومن ثم السعي نحو إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا”، والتي انتهت إلى إعادة تسميتها باتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا “أوسمكا”، وبعدها، تحديداً في حزيران 2017، أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاق المناخ في باريس عام 2015، وهي آخر اتفاقية تمّ التفاوض عليها من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، وأخيراً وليس آخراً التراجع عن خطة العمل المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني في أيار 2018.
بالمقابل، كانت أولى إجراءات ترامب بعد استلامه الرئاسة هي رسم حدود تعسفية لسياسات الهجرة، حيث حظر دخول المهاجرين واللاجئين من حوالي ثمانية دول إلى البلاد، ومن ثم جاء قراره ببناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهذا ما فجّر أزمة بين ترامب والكونغرس، وصلت درجة التهديد في إحدى تغريداته عبر تويتر: “إذا لم يمنحنا الديمقراطيون الأصوات اللازمة لتأمين بلادنا، سيقوم الجيش ببناء الأجزاء المتبقية من الجدار”.
وفي حين أن ترامب سبق وانتقد سياسة أسلافه في الشرق الأوسط ووعد بتقليص تدخل بلاده في شؤون المنطقة، كانت الوقائع على عكس ذلك، إذ إن التنمر الأمريكي تصاعد إلى درجة خبو الأطراف الأخرى وخنوعها للسياسات الترامبية وتلبيتها صاغرةً لكل ما يُملى عليها من أوامر، فعلى سبيل المثال لم تكن زيارة ترامب إلى السعودية سرية، ولم تغيّر إهانات ترامب للنظام السعودي بمطالبته بـ”الدفع مقابل الحماية” قيد أنملة في مواقفها، بل إنها أدّت فروض الطاعة لـ”الوحش” الأمريكي بكل إخلاص!.
كما عزّزت الولايات المتحدة من دعم “إسرائيل” في عهد ترامب، إذ تم نسج خيوط ما سميت بـ”صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على الوجود العربي على الأراضي الفلسطينية، وذلك كلّه بمباركة وتنفيذ بعض الأنظمة العربية، ولا سيما الخليجية، فتمّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وعلى الضفة المقابلة، أوقفت واشنطن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، للضغط عليهم وتضييع آخر حقوقهم.
“أمريكا أولاً”.. كان الشعار الذي طرحه ترامب في حملته الانتخابية، ويبدو أن الحملة تتجه في هذا الطريق رغم التشويش المتعمّد تارة وغير المتعمّد تارة أخرى في سياسات ترامب التي أوصلت بعض الخبراء والمتابعين إلى حدّ التشكيك في صحة ترامب العقلية ووصفه بـ”المجنون”، لكن يبقى السؤال الأجدى: “كيف تعامل العالم مع ذاك المجنون الذي ما انفكّ يبتلع ثروات الدول ويعيد ترتيب القوى والتحالفات حول العالم؟!”.
ريناس إبراهيم