صحيفة البعثمحليات

سمعةُ “الإنشائيّ” في الميزان..!؟

شعورٌ عارمٌ بالمرارة والأسى خيّم علينا؛ بينما كنّا نتابع واقعة انهيار تحويلة الحفّة في اللاذقية، بعد خمسة أشهرٍ على تدشينها، بكلفة 1,2 مليار ليرة، وإذ أحال المدير العام للمواصلات الطرقيّة الأمر للطبيعة مبرّراً بالقول: (إنّ السّبب الرئيسي للانهيار هو ظهور ينابيع بشكل مفاجئ في المنطقة، رافقها هطولات مطريّة غزيرة، كما أنّ التّحويلة تقع على منطقة منحدرات، والتّربة سيئة وانزلاقيّة، وهي تربة غضاريّة تحتفظ بالمياه بداخلها، لتصبح سائلة..!)، لافتاً إلى (وضع حلّ فنّي عن طريق إنشاء جسر من الصّخور، بحيث يمكن من خلاله تقوية جسم الطّريق، وكذلك تمرير المياه من خلالها، بشكل لا تنزلق فيه التّربة)!
والسّؤال: أين كان هذا الحلّ الفنّي قبل وقوع الفأس بالرّأس؟ وأين المُكافئ الفنيّ الموضوعيّ الواجبُ لحظه بديهيّاً؛ لعوامل الطّبيعة في الدّراسة والتّنفيذ ومن ثمّ الإشراف.؟ أسئلةٌ تضاف إلى أخواتها المثارة حول سوء التّنفيذ المفتقر إلى ألف باء المعايير والقيم الهندسية في وحدات سكنيّة؛ لطالما انتظرها المكتتبون عليها، لدى المؤسسة العامة للإسكان، وكذا الأرصفة والسّاحات الحاضنة لها والتي شيّدت في غفلة من ضمير. لتقفز إلى الذّاكرة مشاهد وصور صفّقنا فيها ذات يوم لمسؤول حكوميّ رفيع أوعز بمساءلة جهاز إشراف عن سوء تنفيذ أحد المشروعات الحيويّة، وإلزام الجهة المتعهّدة للمشروع بإعادة التّنفيذ، بعد معاينته بأمّ العين لواقع التّنفيذ المزري!؟
مرارةٌ تفتح الباب لرياح الأسئلة العاتية؛ عن واقع بوصلة الضّمير ومصفوفة القيم لدى بعضٍ ليس بالقليل من أجهزة الإشراف على مشروعات بنيتنا التّحتيّة الأخرى قيد الإنجاز كالمدارس والمرافق الخدميّة، والتي لا تقلّ مأساوية سوء التنفيذ في بعضها عن تلك الطرقات التي تنهار بين أيدينا وأمام عيوننا في وقت نشدّ فيه الأحزمة على البطون لتوفير موازناتها وأكلافها..!
ولقائلٍ أن يُحاجّ: من غير المعقول في منطق المأسسة؛ انتظار انهيار طريقٍ أوجسر أو بناء؛ للبحث في أسبابه..! إذْ أين مديرو المؤسسات صاحبة المشروع التي انبثقت منها أجهزة الإشراف.؟ وأين مديرو الشّركات القائمة بالتّنفيذ.؟ في حينٍ بات فيه من السّخرية بمكان التّعويل على مبدأ: الإدارة بالأخلاق!؟
أسئلةٌ لا شكّ أنها تضع الإصبع على الجرح، بقدر ما تعني للبعض -من هؤلاء المديرين – نكأً للجراح ولا سيّما ما لحق منها بالقطاع العام الإنشائيّ، وسمعته جرّاء استثمارهم السلبي المشوب بالشّخصانيّة لهامش كسر الأسعار في مناقصاتٍ؛ ما إن ترسو على الشّركات العامة التي يديرونها؛ حتّى يمارسوا دور التاجر؛ ويقوموا بتعهيدها لمتعهدين جزئيين من القطاع الخاص، ليلحق بالتّالي سوء التّنفيذ النّاجم عنه؛ بالقطاع العام باعتباره صاحب التعهّد رسميّاً أمام الملأ. فضلاً عمّا تستبطنه هذه الخطوة من ضربٍ عرض الحائط؛ لمقولة تشغيل العمالة الفائضة التي ترزح تحت وطأتها معظم شركاتنا العامة، فيما يستظلّ القيّمون عليها بيافطات تقليديّة ملتبسة في وعي الجمهور؛ حول مفهوم القطاع العام وخسائره “المبرّرة” بنظرهم!؟
والحال أنّ سمعة القطاع العام الإنشائي في الميزان، ما يتطلّب الوقوف الحازم والحاسم على كبائر وسقطات من يسيؤون إليه، ومحاسبتهم وإنزال أشدّ العقوبات بهم.فضلاً عن معالجة المعوّقات الذّاتيّة والموضوعيّة التي تعترض النّهوض بأدائه، والبحث في العمق عن الآليات الكفيلة بتمكينه من حدود المرونة المطلوبة للتصدّي لمشروعاته بالأصالة لا بالوكالة عبر “الخاص”، وكذا تفعيل دور الأجهزة الرّقابيّة على مخرجاته بأشكالها كافة؛ تحصيناً له وتعزيزاً لدوره الذي لا بدّ سنراهن عليه في إعادة الإعمار..!

أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com