مع غياب الوعي البيئي.. حضور متزايد للتلوث والمسؤولية مشتركة بين الجهات المعنية والمجتمع الأهلي
لا يمكن لأحد أن يتجاهل التاريخ الحافل والطويل لدمشق أقدم عاصمة مأهولة، والقليل هم الذين يعرفون أن أول مدرسة رقص “باليه” في العالم العربي تأسست في دمشق عام ألف وتسعمئة وواحد وخمسين، وأن قماش زفاف الملكة اليزابيت الثانية كان من البروكار الدمشقي، إضافة إلى أن الممثل العالمي الأشهر الذي يمكن اعتباره عراب الكوميديا في العالم شارلي شابلن زار دمشق عام ألف وتسعمئة وتسعة وعشرين لحضور افتتاح فيلمه “السيرك”.
دمشق التي يجهل اليوم الكثير من جيل الشباب أنها نالت لقب عاصمة الأناقة على مستوى العالم في عام ألف وتسعمئة وخمسين، حيث تميزت بجمال أبنيتها، ونظافة شوارعها، ومرافقها العامة آنذاك، وكانت أول مدينة عربية استخدمت الترام في مواصلاتها، باتت اليوم من أكثر المناطق تلوثاً وإهمالاً.
أين نحن اليوم مما كنا عليه سابقاً؟
اليوم السؤال الأهم الذي يطرحه الكثيرون هو: أين نحن مما ذكرناه من هذا التاريخ الحافل لهذه المدينة؟ تصيبك الدهشة والاستغراب أولاً من التلوث البيئي، وكمية الأدخنة المتصاعدة من السيارات، وغيرها من الملوثات التي تضر بالصحة، وثانياً من المظهر العام للمدينة اليوم، ومن درجة الاستهتار واللامبالاة تجاه كل المرافق العامة، خاصة فيما يتعلق بنظافة المدينة، فأينما اتجهت تلاحظ الشوارع المليئة بالأوساخ، والتقصير هنا مزدوج تتقاسمه الجهات الرسمية المعنية من جهة، والغالبية العظمى من المواطنين الذين لا يحملون أدنى حدود المسؤولية من جهة أخرى، فمن ير اليوم نهر بردى، على سبيل المثال لا الحصر، سينبهر من مستوى اللامبالاة تجاه النهر الذي تغنى به أعظم الأدباء، والذي يعتبر رمز المدينة الخالد، دمشق التي تعتبر أول مدينة عربية سارت سيارة في شوارعها عام ألف وتسعمئة وخمسة، باتت اليوم تعتبر من أكثر عواصم العالم تلوثاً، السوري في الخارج يلتزم بالقانون، ومعظم السوريين الذين هاجروا لطالما أبدعوا وأبهروا العالم الغربي برقيهم وعلمهم، أما الحالة في بلدهم الأم فمعكوسة، وهذا ما يثير الاستغراب، إذاً أين تكمن العقدة؟ من المسؤول عن كل هذا الكم من الاستهتار، وعدم الالتزام بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه بلدنا، ومظهره الحضاري بشكل عام؟!.
أبو كامل، تاجر جملة يملك متجراً ضخماً في منطقة شارع الثورة، يشتكي من الإهمال غير المبرر الذي تتعرّض له هذه المنطقة من ناحية عدم الاهتمام بنظافتها، وكل ما يتعلق بمظهرها العام، ومن انبعاث الروائح الكريهة منها بشكل يصعب فيه على أي إنسان أن يتحمّله، متسائلاً باستغراب وغضب شديدين عن المغزى من ترك هذه المنطقة من دون متابعة حتى باتت تعتبر من أكثر مناطق العاصمة تلوثاً، مع العلم أنها تعتبر منطقة تجارية بامتياز لقربها من مواقع سياحية مهمة كسوق الحميدية، والجامع الأموي، حيث يتوافد إليها الكثير من السياح بغرض التبضع والتجارة بعد زيارتهم للأماكن السياحية الدينية الموجودة هناك، لذلك العتب هنا أكبر على الجهات المعنية لتركهم المنطقة من دون تخديم؟!.
مسؤولية مشتركة
في منطقة من أشهر مناطق دمشق وأكثرها رقياً يقع سوق الشعلان التجاري الذي منذ اللحظة الأولى لتجوالك فيه لا يمكن أن تعثر على سلة مهملات واحدة مركونة على أحد أرصفته، ما يجعل هذا الأمر حجة للكثيرين لرمي أوساخهم على جانبي الشارع، مدينة الياسمين، باتت رائحة الأوساخ اليوم تفوح في الكثير من شوارعها، فمن المسؤول؟ أو لنكن أكثر إنصافاً، أليس من واجبنا جميعاً أن نتشارك واجب الحفاظ عليها نظيفة، مواطنين وجهات رسمية، سواء في محافظة دمشق، أو وزارة السياحة، أو جمعيات المجتمع المدني؟!.
كلام كثير نسمعه داخل محافظة دمشق يؤكد أن غالبية المعنيين في المحافظة كانوا يتحججون بالحرب، وبعدم القدرة على متابعة الكثير من الأمور اللوجستية بسبب الوضع الميداني المتردي آنذاك، حيث أصبح هذا الأمر شماعة يبررون بها تقصيرهم، ولكن اليوم ما هو المبرر لهذا الكم الكبير من التقصير تجاه معظم المرافق العامة في المدينة، ابتداء من الحدائق، مروراً بالمواقف العامة، والأرصفة، والأشجار على جانبيها، وغيرها الكثير، فانشغالهم كان واضحاً في تأسيس وجمع الثروة على حساب غض الطرف عن الكثير من المخالفات، كالبناء، التي كانت تحدث في مركز المدينة كمنطقة الروضة، أو المزة، والتي لم تقتصر فيها المخالفات على المناطق العشوائية فحسب، بل تجاوزتها إلى كل المناطق.
إن المطلوب اليوم أن يعمل الجميع وعلى كل المستويات الرسمية، والشعبية لإعادة الرونق والحياة لمدينة الياسمين لترجع قبلة للسياح بالشكل الذي يليق بأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
لينا عدره