تحقيقاتصحيفة البعث

فقدت مضمونها  العلاقة بين الطالب والمدرّس.. سلوكيات غير منضبطة وتداخل بعيد عن المعايير التربوية

تغيرت ملامح العملية التربوية، وفقدت أهم معاييرها، وخاصة لجهة العلاقة ما بين الطالب والمدرّس التي أفرغت من مضمونها بعد أن كانت تحمل في طياتها أنبل المعاني السامية، وأرقى المشاعر النبيلة، فالحصة الدرسية كانت منضبطة، والنظام كان قائماً داخل المدرسة، أما خارجها فالمشهد لا يختلف، فالخجل من المدرّس يبدأ من رؤية الطالب له من أميال بعيدة!.

بشكل إيجابي

يرى إبراهيم وسوف، مدير ثانوية الشهيد محمد علي مصطفى، أن هناك حالة ترابطية بين الطالب والمدرّس تم توظيفها بشكل إيجابي من خلال النظام الداخلي للمدارس الذي عدل عام 2016، حيث أعطى للطالب ما يستحق من إشراف، ومتابعة، واهتمام، وارتقاء بمستواه التدريسي، وفي الوقت نفسه أعطى المجال في حال ارتكاب أية مخالفة بأن توظف العقوبات بحق الطالب بشكل تربوي وليس انتقاماً، بمعنى أن تكون العقوبات وفق المخالفات بدءاً من التنبيه الشفوي في حال الفوضى داخل القاعة الدرسية، إلى الإنذار لولي الأمر واستدعائه في حال تكرار المخالفة، وتسجل في ذاتية الطالب المدرسية، وأيضاً عندما تصل المرحلة إلى مخالفات حددت في النظام الداخلي مثل استخدام “الموبايل” بطريقة غير قانونية، واصطحابه بشكل غير قانوني، ومحاولة مخالفة اللباس العام، وإطالة اللحى والشعر، وعندما تبدأ الإساءة إلى المدرّس، أو إلى أي إداري، تبدأ عملية الإخراج المؤقت من المدرسة وفق الحالة من خلال مجلس انضباط يعقد بشكل أصولي، وبمعرفة ولي الطالب في المدرسة، وفي حال التكرار يعقد مجلس انضباط آخر، وربما إذا كان الوضع خارج المألوف يعقد مجلس مدرّسين، ويقرر عقوبة النقل الإجباري أو الفصل، حسب نوع الحالة التي ارتكبها الطالب.

سلبيات

وأشار المدير إلى بعض السلبيات عند بعض المدرّسين كالتدخل في الشؤون الخاصة للطالب أحياناً، وربما بغير قصد تمييز طالب عن آخر، وهذا ما يثير حفيظة الأخير، وتبدأ عملية الفوضى والشغب، وأحياناً يستخدم المدرّس بعض العبارات بطريقة عفوية وأبوية، ولا يتقبّلها الطالب، تؤدي إلى انعكاس سلبي ضمن الحصة، وأحياناً بعض المدرّسين يتدخلون بكل شيء ضمن الحصة، وربما على حساب الدرس، ويطلبون من الإدارة تهدئة الصف، ويشتكون من الفوضى، وربما كانوا سبباً بها دون دراية، مبيّناً أن لدى المدرّس علامة السلوك التي يقررها، والطالب الذي لا يحصل على علامة السلوك المطلوبة ولو كان الأول في صفه يعتبر راسباً، لذلك عندما يستخدم المدرّس علامة السلوك بموضوعية وأخلاقية وتربوية يكون محصناً في صفه.

تفشي الساعات الخاصة

ولفت المدير إلى أن المدرّس عندما يحترم مادته، ويقوم بإيصال المعلومة بالطريقة العلمية المبسطة، وإشغال الطلاب بالحوار، والتعاون، وإنجاز مشروعات علمية ذات قيمة معنوية، إلى جانب البسمة الأبوية اليومية والكلمات الهادئة، فإنه يعكس حالة إيجابية واطمئناناً لدى الطالب، وعزا سبب تردي وتراجع العلاقة إلى انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، وإن كانت حاجة، لكنها كانت سبباً في عدم احترام الطالب لشخصية المدرّس، حيث إن الطالب هو من يدفع له أجرة الساعة، فيجلس أمامه وهو مرتاح البال غير آبه بالعقوبة، وكأن المدرّس يعمل لديه، إلى جانب بعض الحالات التي يقوم بها الطالب تجاه المدرّس كمحاولة تقديم أشياء مقابل غض البصر عن تصرف ما.

تفعيل الحالة التربوية

وأوجز المدير وسوف طرق تحسين وإعادة بناء العلاقة الصحيحة بإعادة تفعيل الحالة التربوية لدى الطالب والمدرّس من خلال تأطير عمل الشباب برعاية منظمة اتحاد شبيبة الثورة، وتفعيل المناشط التي تفرغ من طاقات الطالب، وأن يكون هناك فصل بين العلاقة الصفية والأسرية للطالب والمدرّس، والعمل على اتباع دورات دائمة للارتقاء بالعمل التربوي، وتفعيل دور الإرشاد النفسي في المدارس بشكل حقيقي، والتعاون مع مراكز ثقافية لإقامة ندوات ومحاضرات خاصة بالطلاب تعمل على الرقي بالفكر الثقافي والأخلاقي والتربوي.

ضوابط أخلاقية ومهنية

تقوم العلاقة السوية الصحيحة بين المدرّس والطالب على مبدأ “الاحترام والتقدير والمسؤولية المتبادلة”، بحيث يعرف كل منهما واجباته وحقوقه التي تحفظ للطالب كرامته الإنسانية من جهة، وتحفظ للمدرّس مكانته القدسية الرفيعة من جهة أخرى، هذا ما أشار إليه الدكتور بسام الصافتلي في كلية التربية، مضيفاً: هذا لن يتحقق إلا في ضوء ضوابط وقواعد إنسانية واجتماعية ومهنية وأخلاقية تضمن لكلا الطرفين النتائج المرجوة من حقيقة تواجدهما في مكان واحد، مبيّناً أن أهمية وجود العلاقة تنبع بالدرجة الأولى من أهمية وجودهما في الحقيقة، فلولا وجود الطالب لما كان هناك مدرّس، والعكس صحيح، أي أنهما يكتسبان أهمية تواجدهما من أهمية وجودهما.

آثار إيجابية

عندما تبنى العلاقة الصحيحة، /حسب الصافتلي/، تنعكس إيجاباً على الطالب في زيادة حبه للمادة، وزيادة شغفه لطلب العلم، وتحقيق التميز بما ينعكس إيجاباً على تحصيله الدراسي من جهة، وعلى سلوكه من جهة ثانية، أما من حيث المدرّس فتتمثّل في تحسين جودة أدائه، وتحقيق رضاه الوظيفي، وزيادة رغبته في تطوير ذاته مهنياً، ومواكبة مستجدات التربية والتعليم، وعزا الصافتلي تراجع العلاقة إلى ضعف المستوى المادي والمعيشي للمدرّس الذي دفعه للدروس الخصوصية، ما أفقده قيمته ومكانته القدسية في نظر الأهل والطالب في آن معاً، وتشويه صورة المدرّس من خلال بعض المسلسلات التلفزيونية التي تنشر ثقافة الفوضى والشغب، وتقلل من احترام الطالب للمدرّس، وتحويل النظر إلى مهنته من المكانة القدسية إلى المكانة الهزلية، إضافة إلى ضعف إعداد المدرّس وتدريبه، ما انعكس سلباً على جودة أدائه في الصف من حيث عدم تمكنه العلمي من مادته الدراسية، وعدم قدرته على إدارة الصف، وبالمقابل فإن التراجع في العلاقة يفرز نتائج تظهر سلباً في تدني مستوى الطالب العلمي، والسلوكي، والأخلاقي، وتدني مكانة المدرّس وقيمته وأدائه التدريسي، وكذلك تدهور المجتمع أخلاقياً، واجتماعياً، وعلمياً، وإنسانياً، ونفسياً.

قواعد ضابطة

ولإعادة بناء العلاقة الصحيحة بين الطالب والمدرّس، يرى الصافتلي أن ذلك يتم من خلال وضع قواعد تضبط جودة العلاقة، وتضمن النتائج الإيجابية، ولابد من تحسين الوضع المادي للمدرّس، ومنع عرض وإنتاج المسلسلات التي تشوه صورة المدرّس ومكانته القدسية، والتركيز على البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي تعرف بمكانة المدرّس ودوره في صناعة الإنسان، وتحسين جودة برامج إعداد المدرّس وتدريبه وفق معايير أنظمة الجودة العالمية.

دارين حسن

Comments are closed.