دراساتصحيفة البعث

صدع يتزايد بين الحلفاء

ترجمة: علاء العطار

عن “تشاينا ديلي” 22/2/2019

تُعدّ الولايات المتحدة مثالاً عن الدولة التي لا تتعلّم من أخطائها، يعميها عجرفتها والوهم بأنها مازالت القوة الأعظم، إلا أنها تُفاجأ كلّ يوم بلكمات تكيلها دول اعتادت أن تكون من أتباعها، فها هي ألمانيا وفرنسا، يتبعهما العديد من الدول، قد اشمأزت من تكبّر أمريكا وخيلائها، واستفاقت لتجد نفسها قادرة على تحديد مصيرها، وهو ما شجّع العديد من الدول على النهوض ومواجهة الطاووس الأمريكي.

اعتاد قادة الولايات المتحدة على محاضرة العالم، ومن ضمنه حلفاؤها الأوروبيون، لكن عندما حاول نائب الرئيس مايك بنس أن يفعل ذلك في مؤتمر ميونيخ للأمن في نهاية الأسبوع الماضي، تمّ تلقينه درساً قاسياً لن ينساه لبقية حياته.

وبعد انتقاده للزعماء الأوروبيين على خلفية التزامهم بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ومحاولتهم تجاوز العقوبات الأمريكية على إيران، طالب بنس بعجرفة في ميونيخ بأن ينسحب الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه الرئيسيون، ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، من الصفقة.

كما ألحّ على الدول الأوروبية لحظر شركة “هَواوي” في عملية تطوير شبكة “G5” والتوقف عن شراء الأسلحة والطاقة من روسيا، وقال بنس: “لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب إن كان حلفاؤنا يعتمدون على الشرق”.

على أي حال، قوبل حديثه عن “أمريكا أولاً” بازدراء من الحضور، ودلّ على ذلك صمتهم حين كان بنس يتوقع منهم تصفيقاً، وأفصح صمتهم الذي يصمّ الآذان عن أحاديث عن استهجان الأوروبيين الكثير من السياسات والممارسات التي تتبعها الإدارة الحالية للولايات المتحدة بالرغم من المشكلات الجمّة داخل الاتحاد الأوروبي، من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تزايد النزعة الشعبوية.

لست متيقناً إنْ أنصت بنس لخطاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي وجّهت نقداً لاذعاً لسياسة أمريكا الخارجية.

وتباين نداؤها الشغوف لتعاون وتعددية أطراف من شأنهما أن يعودا بنفع على جميع الأطراف بشكلٍ حادّ مع نظرة بنس الكئيبة للعالم وتبجّحُه المفعم بالكراهية والذي ينمّ عن عدائية تشابه أيام الحرب الباردة.

وقالت ميركل إن أوروبا تعلّمت درساً من الحرب العالمية الثانية وتاريخ النازية، وأنه بالرغم من أن مسار المنتديات الدولية متعدّدة الأطراف قد يكون بطيئاً أو شاقاً، إلا أنها كانت مقتنعة بأن على الولايات المتحدة أن تضع نفسها في مكان الآخر، وأن تحاول تشكيل صياغة وضع يفيد الجميع بدل أن تحاول حلّ القضايا وحدها.

من منظور ميركل، تقوم الولايات المتحدة بجرّ العالم، وخاصة أوروبا، نحو حرب باردة عبر انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وهي معاهدة تمّ توقيعها عام 1987 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وتعتبر بمثابة خطوة رئيسية نحو إنهاء الحرب الباردة.

لم تخفِ ميركل غضبها عندما حذّرت من أن “أسوأ الأخبار لهذا العام، من منظورنا نحن الأوروبيين، هو إلغاء معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى”، و”لا يمكن أن تكمن الإجابة في سباق أعمى لصناعة مزيد من الأسلحة”، في إشارة إلى تهديد واشنطن “لتطوير خيارات ردنا العسكري الخاص” و”حرمان روسيا من أي ميزة عسكرية”.

استُقبلت كلمات ميركل باحتفاء حارٍ من الحضور، وكان كثير منهم سعداء برؤية قائد أوروبي يقف أخيراً في وجه واشنطن بدل أن يصمت ويلحقها بصورة عمياء.

لم يكن هذا أسبوعاً جيداً لـ بنس، الذي سافر إلى أوروبا ليلقى هزيمة ساحقة، بينما كان يحاول إجبار أوروبا على الإذعان لأوامر واشنطن، كما مثّل ذلك كارثة أمام جهوده الدؤوبة لتشويه سمعة شركة هواوي وإجبار الدول الأوروبية على حظرها، وهي التي تخطّط لاستخدام هواوي في شبكات “G5” الخاصة بها. وبعد يومين فقط من خطابه، ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن مركز الأمن الإلكتروني في المملكة المتحدة خلص إلى أنه بالإمكان التحكّم بأي خطر مزعوم من استخدام أجهزة هواوي.

في الوقت ذاته، كان أسبوعاً دلّ على استفاقة أوروبا والعديد من الدول حول العالم، حيث أدركوا أن عليهم اتخاذ قراراتهم الخاصة، بدلاً من أن تمليها عليهم واشنطن كما كان الأمر عليه لعقود.