الاقتصاد السلوكي؟!
في الاقتصاد التقليدي (الكلاسيكي الجديد) ترتكز عملية القرار على عدة خيارات تقود في النهاية إلى أفضل مستوى من المنفعة الفردية.
معظم نظريات الاقتصاد التقليدي تُصاغ وتُستخدم في ظل الافتراض بأن الأفراد المشاركين في الفعالية أو النشاط الاقتصادي إنما يتصرفون عقلانياً.
الذات في الاقتصاد التقليدي يمكن تصورها كوحدة رشيدة منسجمة غير متناقضة، يتم تجسيدها بعلاقة تامة، منفردة وتفضيلية.
أما الاقتصاد السلوكي فهو يدرس تأثير العوامل السيكولوجية والاجتماعية والإدراكية والعاطفية، على القرارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، ونتائج ذلك على الأسواق والأرباح وتخصيص الموارد.
الاقتصاد السلوكي يركز بالأساس على محدودية وعقلانية الأفراد الاقتصاديين.
النماذج السلوكية تضم رؤى متعددة من علم النفس والقانون والسوسيولجي ونظرية الاقتصاد الجزئي، وبهذا فإن هذه النماذج تغطي نطاقاً واسعاً من المفاهيم والطرق والحقول.
الاقتصاد السلوكي أحياناً تتم مناقشته كبديل للاقتصاد الكلاسيكي الجديد، وهو يسعى لمعرفة الكيفية التي تُصنع بها قرارات السوق والآلية التي تقود الخيار العام.
ما تقدم جزء من المقارنة بين الاقتصادين التقليدي والسلوكي، سقناها بشكل مختزل، لنلفت اهتمام الحكومة لمصطلح الاقتصاد السلوكي، الذي برز في الآونة الأخيرة بشكل واضح، ولاسيما بعد فوز الاقتصادي ريتشارد ثالر بجائزة نوبل للاقتصاد، عل وعسى نسهم بما لم نُشرك فيه، ونقصد اللقاء المؤخر لرئيس مجلس الوزراء مع ثلة من المحللين والإعلاميين المفترض أنهم مختصون بالاقتصاد السياسي، والذي كان يهدف إلى كيفية التعاطي مع ما يواجهنا – إعلامياً وتوعوياً وتثقيفياً – من تحديات اقتصادية كلية وجزئية.
صاحب الجائزة تناول هذا المفهوم في دراسته عن التنبيه، والغاية هو تفسير تصرف الكثير من الأفراد بشكل غير عقلاني عند اتخاذ القرارات الاقتصادية، كالشراء والبيع والاقتراض وغيرها، وهو ما دفع العديد من الحكومات والمنظمات والمؤسسات البحثية والعلمية لمحاولة تطبيق هذا النوع من الاقتصاد على سلوك الأفراد لضمان عدم قيامهم بسلوكيات خاطئة في المستقبل.
ووفقاً لذلك المفهوم تستطيع الحكومات أن توجه مواطنيها نحو الالتزام بسلوكيات أكثر نفعاً، بعيداً عن السياسات التقليدية المرتبطة بالعرض والطلب وأساسيات علم الاقتصاد، فاستخدام الاقتصاد السلوكي يساعد على تحريك المستهلكين والمواطنين نحو ما يحقق أهداف الحكومات وسياساتها، من دون تجاهل الصعوبات التي تقف أمام استخدام هذا العلم الحديث كبديل للسياسات المالية والنقدية التقليدية. إذ تشير الأبحاث إلى أن الناس يميلون إلى أن يكونوا غير عقلانيين في كثير من اختياراتهم، ولو استطاعت الحكومات وضع الإطار الصحيح لسياساتها الاقتصادية، فيمكنها حينئذٍ إحداث اختلافات كثيرة في حياة المواطنين، مع تحقيق وفورات مادية.
والحكومة وهي تفعل ذلك تنجح بالفعل في زيادة الناتج المحلي ومعدلات النمو، وهو ما يجعلنا نؤكد على أن استخدام الاقتصاد السلوكي لم يعد ترفاً، وإنما هو أحد أهم واجبات المرحلة، وكل ما يتطلبه الأمر هو الاعتراف بأن سلوكيات البشر بها كثير من الاعوجاج، وأن ما يفيد المواطن سيعود بالنفع على المجتمع كله وفقاً لما يراه بعض الباحثين الاقتصاديين.
هنا يرى البعض بإمكانية استخدامه – أي الاقتصاد السلوكي – كمنهج في السياسات العامة، وصياغة قرارات تحقق النمو والأهداف المجتمعية من خلال دراسة وفهم سلوكيات الأفراد، وهو ما يشترط فيه أن تكون القرارات جاذبة واجتماعية.
وبالتالي فإن اعتماد منهجية الاقتصاد السلوكي، قد يكون من شأنها التقليل من نسبة الوقوع في الخطأ، فضلاً عن الابتعاد عن حصول حالة من التحيز في اتخاذ القرارات الصائبة، وهو ما يزيد من فاعلية السياسات التي تتخذها الحكومات.
وعليه بحسب متبني هذا الاقتصاد، فإن أنسب الطرق للاستفادة منه لصياغة الأنظمة والسياسات العامة، هي توجيه سلوك الناس نحو الخيار الصحيح، وذلك من خلال جعله الخيار الافتراضي، وذلك بافتراض أنه بمجرد جعل إحدى السياسات خياراً محدداً مسبقاً لمن لا يختار، يمكن للحكومات أن تصل لمبتغاها من سن القرار المعين دون الحاجة لإجبار الأفراد عليه، وذلك بصورة تبدو اختيارية.
عرضنا ما عرضنا وبالحد الأقصى لما يسمح به المجال هنا، لنصل لسؤال ربما يبدو طريفاً لكنه عميق، وهو: من أين يجب البدء بتطبيق هذا النوع الأحدث من الاقتصاد..؟ وعلى من أولاً؛ الحكومة أم الشعب..؟ أما الأهم فهو هل نعلم بمثل هذا العلم..؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com