تحقيقاتصحيفة البعث

يحتـــاج إلى الضبط.. الشـغب المدرسي سلوك متمرد ومســـؤولية مشــــتركة

شكاوى عديدة نسمعها عن حالات الشغب المدرسي، والسلوك الطلابي العنيف والفوضوي داخل المدارس التي تشكّل بمجموعها انعكاساً للظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، إضافة إلى سنوات الأزمة التي كان لها أثر كبير في المجتمع الذي بات أكثر ضياعاً في زحمة المتغيرات والمستجدات الحياتية والتقنية بمختلف أشكالها ومجالاتها.

طبعاً المسؤولية عما يحدث في المدارس تطال الطلاب، والأهل، والإدارات، والكوادر المدرسية التي من الصعب تبرئة أي منهم، فالجميع شركاء في تصويب العملية التدريسية والتربوية، ومعالجة حالات الشغب، والإساءة للواقع المدرسي بكل جوانبه.

لا شك أن الانكسار الحاصل داخل أسوار المدارس للصورة المثالية للطالب وللمعلم يعد بوابة واسعة لمرور التجاوزات، والسلوكيات التربوية المنحرفة التي باتت حديث الناس، والشغل الشاغل للجهات المعنية.

 

سلوك تعويضي

الشغب المدرسي موضوع تربوي هام، وله الكثير من التداعيات على الواقع المدرسي، ولكن يجب الإلمام بكل جوانب هذه الظاهرة، ومعالجة كل جانب بشكل علمي، وبأساليب تربوية متطورة، برأي الدكتور غسان منصور، “كلية التربية”، الذي بيّن أن الشغب سلوك تعويضي عن ضغوط نفسية يعاني منها الطالب، وهذه الضغوط تتشكّل نتيجة الضغط النفسي المنزلي النابع من مجموعة من الإحباطات المتكررة: “الرغبة في شراء الألعاب، الأكل، وعدم تحقيق ذلك من الأهل، عدم قدرة الأهل على المتابعة المدرسية”، مضيفاً: أما على الصعيد المدرسي فهناك صعوبة التواصل بين المعلم والطالب، وهذا كله يؤدي لصعوبات على المستوى الشخصي والدماغي تؤدي إلى الهروب الذي يظهر من خلال مجموعة من السلوكيات التي يمكن وصفها بأنها تعبير عن الذات، وهروب من الواقع الأليم، فمثلاً يلجأ هذا الطالب إلى سلوك التهريج في الصف، أو الشغب العام، أو يخلق مشكلات مع زملائه لإثارة الانتباه حوله بشكل عام، وقد يتبدى الهروب بأحلام اليقظة لتحقيق التوازن على الصعيد الشخصي، فتنشأ لديه حاجات تحاكي الحاجات النفسية لديه، وفي هذا كله يمكن القول: إن الشغب سلوك تكيفي مع الصعوبات التي يواجهها الطالب في حياته الدراسية: “المعلم القاسي، المعلم المهمل في ضبط صفه، المعلم الذي لا يستطيع إيصال المعلومة بسهولة، المعلم ضعيف الشخصية”، لافتاً إلى أن انتشار ظاهرة الشغب بسبب عدم انتقاء الأشخاص المناسبين في مهنة التعليم، كما أن  درجة الشغب تخضع لقانون الفروق الفردية بين الطلاب، وعدم القدرة على ضبط الانفعالات نتيجة المعاناة المشتركة بين البيت والمدرسة: “الإهمال في البيت، الإساءة الجسدية أو اللفظية أو الانفعالية كالحرمان أو الدلال الزائد”.

حلول لضبط ظاهرة الشغب

وأضاف منصور بأنه لا يمكن ضبط أية ظاهرة سلوكية سلبية إلا بعد نفي الأسباب ومعالجتها، وهذا يتعلق بالسلوك ضمن الأسرة والمدرسة معاً، وتفعيل دور الإرشاد النفسي لتعليم الطلاب المبادىء الأساسية في العلاج الانشغالي لمواجهة الواقع بطريقة صحيحة، وهذا الضبط يحتاج لفريق ملم مؤلف من: “المدير- المعلم- المرشد النفسي- الأسرة” حتى يمكن السيطرة الكاملة، بحيث يضع هذا الفريق خطة عمل لمواجهة أية مشكلة سلوكية بالمدرسة تتلخص برصد أعداد هؤلاء الطلاب، ونوع مشكلاتهم، وتشكيل فرق رياضية موسيقية كنوع من العلاج الانشغالي، وتشكيل فرق انضباط من هؤلاء المشاغبين ليشاركوا في عملية الضبط كنوع من التحفيز والتفريغ الانفعالي نتيجة التنافس في الفرق الرياضية، أو العمل في مجال الانضباط، ويتم وضع قانون لهذه الفرق، على سبيل المثال: من يشاغب في الصف سيفصل من الفرق، لأنها تشكّل حاجة نفسية مهمة في تأكيد الذات وتقديرها نتيجة وجوده فيها.

وقال منصور: يجب أن تقوم المدرسة بجلسات توعية للأهل لتخفيف الضغوط عن الطلاب بكيفية التعامل مع الطالب المشاغب/العنيد، كما يجب أن تقدم جلسات توعية، وورشات عمل للمعلمين بهدف تدريبهم على كيفية ضبط انفعالاتهم في الصف مهما تعرّضوا للاستفزاز من المشاغبين، وعدم نقل مشكلاتهم الخاصة إلى غرفة الصف، ومعرفة كيفية إيصال المعلومة للطالب.

حدث ولا حرج

المعلمة نوال محمد شعبان أكدت أنها تعاني يومياً من عدة حالات شغب أثناء شرح الدرس كالصراخ دون أي سبب، ورمي الأوراق على ظهور الزملاء، والضحك، والهمس، والإجابة الجماعية، إضافة للطالب الذي يملك الطاقة الزائدة ويريد تفريغها عن طريق ضرب أحد زملائه، أو أخذ أغراضه، وفي إحدى المرات قام طالب بنفخ بالون وفرقعته، ما تسبب بحالة ذعر وضجيج وضحك بين زملائه. وأشارت المعلمة إلى أنه لمعالجة هذه الحالات المذكورة يتم بداية التحدث مع الطالب المشاغب بصوت منخفض في لحظة قيامه بالفعل، وسؤاله عن سبب قيامه به، والشرح له أن هذا الفعل غير جيد، ويجب عدم تكراره،  فالصراخ في وجهه أمام زملائه أو ضربه سيفاقم الوضع. وقالت: أحاول معرفة اهتماماته وهوايته المفضلة لبناء جسر تواصل بيننا، وإذا لم أجد نتيجة أبدأ بمراقبته في باحة المدرسة لمعرفة كيفية تصرفه مع زملائه، وألجأ إلى الأهل والمرشد النفسي لمعرفة إذا كان يعاني من مشكلة نفسية، أو عائلية، أو مرضية.

هيبة المعلم!

ما حصل مع المعلمة سمر محمد خلال إعطائها الدرس يؤكد أهمية التعاون بين المدرسة والأهل، حيث قالت: أثناء كتابتي على السبورة في الصف قام طالب ببري مجموعة أقلام رصاص ورميها على رقاب زملائه، فصرخوا، وذهبت مسرعة إليه ووبخته وشرحت له أن هذا عمل مؤذ لزملائه، لأتفاجأ في اليوم الثاني بمجيء ولي أمر الطالب صارخاً في وجهي بالشتائم، واتهمني بضرب ابنه على وجهه بحضور المديرة، واشتكى لهيئة الرقابة والتفتيش، لكن الطلاب نفوا أنني ضربت الطالب، وقالوا: المعلمة تفهمنا الدرس، و”تسمّع” لنا، وهي طيبة وحنونة، واكتفت الإدارة بنقل الطالب إلى شعبة أخرى، وتمنت محمد من الجهات المعنية وضع قوانين تحفظ كرامة المعلم وهيبته!.

دراسة الحالة النفسية

من جهتها قالت الدكتورة شفيعة سلمان: لتحليل وفهم الحالة النفسية للطالب المشاغب، يجب معرفة الأسباب التي تبدأ من المنزل، وصولاً للمدرسة، ومعرفة إذا ما كانت هناك حاجات أساسية نفسية ومادية حرم منها، حيث يجب على الأبوين فهم مشاعره، وفسح المجال له للعب مع الأقران: “لوحده، مشاهدة التلفاز”، وأضافت: خلال الأزمة تشبعت الحالة النفسية لجيل المدارس بالخوف، والقلق وعدم التوازن، والشحنة السلبية من خلال رؤية المشاهد الحية والأحداث على الواقع، وشاشة التلفاز، فإذا لم يكن في المنزل من يعالجها، وفي المدرسة المعلم لا يفهمه ويحتويه، سيفرغ الشحنات من خلال الشغب والمشاكسة، وشددت سلمان على الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، والواتس أب، وأجهزة الموبايل، وعن طريق مشاهدته للألعاب العدائية، والمشاهد السلبية العنيفة التي انعكست على حياته الواقعية!.

دور هام

ونوّهت سلمان بأن الحلول كثيرة، بداية من وعي الأسرة “البيئة المحيطة بالطالب، التلفاز”، وأن يمنح المرشد النفسي والاجتماعي دوره الفعلي لحل المشاكل، ودراسة الأسباب النفسية والاجتماعية للطالب، أما بالنسبة للمعلم فيجب أن يستخدم وسائل إيضاح، وصوراً، وخرائط، وابتكار وسائل تعليمية لجذب الطلاب ضمن الدرس الواحد، والقيام بالزيارات الحية للأماكن الواقعية كالحدائق، والمخابر، وأن يمنح الطالب عطف الأب والأم والصديق لكسب ثقته، ومد جذور التواصل بينهما، وأن يعرف كيفية التعامل مع الطالب، فالمتميز ذو الإمكانات الأكبر من محتوى المقرر يشغله بواجبات إضافية في الحصة نفسها، والطالب ذو القدرات المتدنية الذي لا يجذبه الدرس، ويشعر بالملل الذي يفرغه من خلال الشغب، يجب دعمه من الداخل من خلال طرق ابتكارية، كما يجب أن تتضافر جهود وزارة الإعلام، والتربية، والثقافة لوضع برامج إرشادية للأسرة والمعلم حول كل ما يتعلق بالعملية التعليمية، واستضافة الخبراء النفسيين التربويين، والمرشدين.

رهف شحاذة