غواصة منذريوس احترقت
يعود الشاعر اللاذقاني “منذر مصري” من القاهرة، التي حضر فيها معرض القاهرة للكتاب، باعتباره من الشعراء الذين لهم شعبية عالية خارج البلد وداخلها، ومعرض الكتاب في القاهرة، وهو حدث ثقافي مهم، يلتقي فيه الكتاب من كل أنحاء العالم إلا “لاذقيته” الحبيبة، كابوسا سيربض على صدره؛ فهذه الرحلة، كلفته غاليا وغاليا جدا، في ما هو غال على روحه وقلبه، كلفته تاريخا كاملا وأيام طويلة من عمره، من الموسيقى إلى الشعر إلى اللوحات، سواء تلك التي انتهى منها أو التي لم يزل يخوض فيها، يعود من السفر ليجد مرسمه، أو ما يمكن أن نسميه مكانه الأكثر رحابة في العالم إليه، رغم أنه في قبوـ لا تطاله الشمس، لكنه عوالم بأكملها وفيه من الفرح والحزن والجمال ورائحة المكان التي تشبه رائحة خشب الصنوبر، ربما لكون الكثير من الكتب بمختلف أنواعها وأنواع أوراقها، وباختلاطها كل هذا العمر مع الموجودات الأخرى من منحوتات وضحكات رفقة لا تزال عالقة فيها، ويمكن لمن يصغي قليلا، أن يعرف أصحابها حتى، صارت تصدر عنها هذه الرائحة التي تدخل القلب فورا.
الرجل عاد من رحلته، إلى “الغواصة” التي حدث واجتمع فيها والتقى معظم الأدباء والفنانين المحليين والعالميين، ولها مالها من مكانة في قلبه هو، وقلب الكثير من الذين يحبون شعرية “مصري”، ليجدها محترقة، بسبب ماس كهربائي، في البداية كانت الصدمة التي يرفضها العقل والقلب، وبعد عدة أيام، صارت الصور المحزنة لذاك المكان الذي صار رماديا، تصيب كل من جلس فوق تلك الكنبة الصفراء، ونهل مما يقوله “منذريوس” –كما يسميه أصدقاءه- بالحزن الحقيقي، على ذاك المكان الذي يتسع على ضيقه لكل العالم.
من الطبيعي أن ينعكس على جوانياته هذا الحدث الجلل، ويتركه لأيام فقط ليستوعب ما جرى، لكنه نهض مرة جديدة، وبدأ بالعمل على جعل “الغواصة” مثلما كانت لكل من أحبها، لما فيها من ألفة وفن وشاعر نبيل، سيسره دائما أن يقدم النصح دون “الأستذة” لذاك الشاب الذي يحمل بيده مجموعة أوراق، طالبا إلى منذره، أن يقرأه ويعطيه مشورته دون أي مقابل، إلا المحبة الحقيقية التي يكنها لأهله وناسه، وكالعادة سيكون “منذريوس”، فرحا بالأمر.
الرجل صار وعبر سنين طويلة من الكتابة، رائد مدرسة شعرية، ستتبلور معالمها أكثر فأكثر مع قادمات الأيام، وستكون “الغواصة” مزارا شعريا، خصوصا وأنها شهدت ولادة العديد من الشعراء والكتاب، والمثقفين السوريين وغير السوريين، الذين حجوا إلي ذاك المكان، يتبادلون الكلام والأفكار مع شاعر كبير بحجم “منذر مصري”، فهذا شاعر بديع كان حظنا جيدا أن نجايله، ونقرأه وهو موجود بيننا، بين من يحبونه ويحبهم، لا في المنافي الاختيارية، لزوم البرستيج الثقافي العام!.
تمّام علي بركات