ثقافةصحيفة البعث

“شآم والقلم”.. يحتفي بالأم والمعلم

 

يطل علينا آذار حاملاً راية الأم والمعلم معاً، مختالاً بكل هذا العطاء والتفاني ومحتفياً بأنبل الناس وأكثرهم فداء وتضحية وتأثيراً في الأجيال، تماماً كما احتفت بكلاهما معاً جلسة ملتقى “شآم والقلم” التي أقيمت مؤخراً بمناسبة أعياد المعلم والأم تحت عنوان “وسر الأم وحي لا يجارى” والتي أدارتها الصحفية الزميلة جمان بركات بحضور مميز وأداء لافت مستهلة حديثها بكلمات تعبّر عن عمق إحساسها بالوطن والأم على حد سواء قائلة: “لو كان بيدي أن اختار وطني لاخترت قلب أمي هناك أنام مطمئنة وأصحو بسلام، فلعيون الأمهات وقلوبهن التي صيغت من ذهب نلتقي اليوم لنقول كلمة شكرٍ لحبهن وتضحياتهن وصبرهن، ولبسماتهن تدخل قلوبنا فتحيي بها الأمل وتنير دروبنا بالحب فتزهر عبيراً لا ينضب، مشيرة إلى القدرة العظيمة للأم على المواءمة بين حياتها المهنية والعائلية والنجاح في كليهما وتحويل تفاصيل الأمومة إلى مفردات حياة ونجاح، ومؤكدة أن أم الشهيد هي رمز الإيثار والعظمة.

الأم حاضرة

لم يستثن “شآم والقلم” الذي كرم أمهات سوريات -كان لهن حضورهن المميز في مختلف المجالات- أي أم من التكريم، فقد كانت أم الشهيد والأم الإعلامية والمدرّسة والصيدلانية والكاتبة حاضرات بكل أمومتهن وقوتهن، ولأن أم الشهيد أعظم الأمهات على الإطلاق كانت البداية مع أم الشهيد تمارا لوسيان، وقد كان لحديثها عظيم الأثر عند الحضور الذي تولدت لديه مشاعر الحب والتقدير وهي تروي تفاصيل فقدها لابنها الوحيد واستشهاده بصوت يملؤه الحزن والقوة معاً فقالت إن الأمومة أعظم ما في الحياة فهي العطاء والحب بلا مقابل، وعلى الرغم من حالة الضعف والحزن الكبيرة التي مررت بها إلا أنني رضيت بقضاء الله وقدره ،والأمل بالله والدعم المعنوي من الناس المحبين هو ما جعلني قوية وأستمر بالحياة، فالفقدان صعب ومؤلم والحزن لابد سيرافقني كل الحياة فما أصعب أن تدفن الأم ابنها وهي التي توقعت أن يعتني بها ويدفنها هو، مؤكدة: رغم كل الألم أريد القول ليس هناك أجمل وأكثر فخراً من كوني أم الشهيد، فالأم وطن لأبنائها والوطن يتألم ويجب أن نقف إلى جانبه ونضحي لأجله والأم السورية أثبتت قوتها وشجاعتها، موجهة الدعاء في النهاية لكل أم شهيد بكلمة “الله يصبرك”.

كذلك تحدثت الأم الإعلامية الزميلة إلهام العطار عن اختبارها جميع المشاعر المختلفة بحكم طبيعة عملها الإعلامي الذي تجعلها تحتك مع الجميع، موضحة بأن الأم الإعلامية تعيش مشاعر كل الأمهات لأننا نلتقي مع أمهات مختلفات ونعيش حياتهن ونعرف تفاصيلهن، لذلك تجربتنا هي تجربة خاصة وشاملة، فالأم الإعلامية تعيش مع المجتمع بكل فئاته وأفراده وهي ناقل حقيقي يوصل جميع المشاعر الإنسانية النبيلة.

أنا وأمي

من جانبها رأت الأم المعلمة رائدة الخضري بأن الكلمات تعجز عن التعبير أمام تضحيات الأمهات، فأوضحت: لا أستطيع التمييز بين الأم والمعلمة في داخلي، لأن مهنة التعليم أضافت الكثير لي قبل أن أكون أماً بالفعل، ومن ثم أصبحت الأمومة لا تفارقني على الدوام فأنا أعامل تلامذتي كأنهم أطفالي، وقرأت مقطعاً من قصيدة عنوانها عين الروح وماؤها قالت فيها: (أنا وأمي/ كلانا تحط الروح فوق ثرانا/ تقدسنا الأغنيات/ وسرب حمائم يسجع طهراً…) ولم تنس الخضري أن توجه التحية للأب الذي هو أيضاً بحر عطاء.

من جهتها قالت الأم الصيدلانية د. أسمهان حلواني: أعيش في انفصام جميل بين مهنة الصيدلة والفن والأدب ولكنه انفصام لذيذ أضعه في بوتقة الأمومة التي تحتوي كل هذا، وقرأت -بصوت قوي وإلقاء لافت- نصاً أهدته إلى الأمهات وغير الأمهات قالت فيه: “أن تكوني أماً/يعني أن تكوني سيدة المرايا/ وأمام كل فضة سحابة وماء/يعني أن يكون جناحك مطوياً إلى خاصرة النخيل/ أن تكوني أماً يعني أن تخلقي الفرح وأن يكون حضنك باتساع أقاصي القهر”.

ماء قلبها

كذلك شاركت الأم الأديبة رنا العسلي بقصة قصيرة جاء فيها “عيناك تلك التي صرخت، التفتت فجأة إلى ذاك الصوت، هو يقف بكامل ألقه وحضوره يحدق بها، كنت أتأملك، ألفت الصمت في مراقبتي وكأنني معكِ في رحلة عينيك وذاك البحر يأخذك دوماً، لماذا صرخت اليوم؟” وقدمت نصاً نثرياً عن معنى الأمومة جاء فيه: تغير لون الشمس حين احتضن أمي وتوردت وجنة السماء وباح الربيع توضأت حبة القمح بماء قلبها فملأ عطرها البيادر بلحظة صبر…”، كما كانت الأم المكافحة حاضرة من خلال الأم رجاء الشيخ نعسان التي روت حكايتها المليئة بالصعوبات والفقدان لأولادها وبعدها عنهم، مرددة عبارة”للصابرين الفردوس الأعلى”، وقد تخلل التكريم فقرات غنائية قدمها الفنان منصور حيدر والطفل أحمد عوض، وفي ختام الحفل قدم الشاعر قحطان بيرقدار قصيدة كتبها في رثاء والدته:

أعـــــدها إلي وأنـــت الــقـــديـــــر

ومن كل شيء عليه يسير

أعـــــدها ولـــو لحــظــة يا ألهي

لأحضنها غيمة من عبير

وأني بـــلا وجــــه مــــن فارقـتني

ضرير يعيش الزمان الضرير.

لوردا فوزي