رأيصحيفة البعث

البعث المتجدّد

 

 

ثورة الثامن من آذار المجيدة التي فجرها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963، كانت بحق ثورة العمال والفلاحين والكادحين على كل أشكال الظلم والاستغلال والاستعباد، وأسست لمرحلة جديدة متقدّمة في تاريخ سورية، وشكّلت تعبيراً عن طموحات شعبنا وتطلعاته على الصعيدين الوطني والقومي، ما جعل دمشق خط الدفاع الأول عن قضايا الأمة العربية وحقوقها المغتصبة، وبقيت سورية رغم ما تعرضت له من مؤامرات واستهدافات موئلاً وموطناً لكل حر أبي، يريد لهذه الأمة أن تبقى محافظة على هويتها العربية الأصيلة.
فقد تجاوزت الثورة أولاً تبعات الانفصال، وأجهضت جميع محاولات إلحاق سورية بمعسكر الرجعية العربية، وأكدت على الوحدة العربية والتضامن العربي لاسترجاع الحقوق العربية المغتصبة وخلاص الأمة من مخلفات الاستعمار والتخلف، كما عملت على توسيع الشريحة الواعية والمثقفة عبر التمثل بعقيدة البعث، وإقرار مجانية التعليم في كل مراحله، وأسست لسورية القوية والصامدة، وأعتقت العمال والفلاحين وصغار الكسبة والمثقفين من الاستبداد والإقطاع والتخلف الذي حاول تسخير كل مقدرات سورية لمصلحة المشاريع الاستعمارية.
وجاءت الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد لتكمل المسار، وتحدث نهضة حقيقية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتنموية، وبفضل استراتيجية استثمار الموارد الطبيعية في الداخل استطاعت سورية تحقيق الاكتفاء الذاتي لمواجهة الحصار والعقوبات التي لم تنقطع يوماً، والتي استخدمها الغرب كوسيلة للضغط على الدولة السورية لتغيير “سلوكها” القومي، فسورية “البعث” اعتبرت قضية فلسطين قضية العرب المركزية، واستعادة كامل ترابها، وعودة أهلها الذين تحول معظمهم إلى لاجئين، هدفاً لا محيد ولا تنازل عنه مهما بلغ حجم التحديات والتضحيات.
لقد أفشلت جماهير شعبنا في ظل ثورة آذار كل محاولات الاستهداف الخارجي، فتجاوزت نكسة حزيران عام 1967 ببناء جيش عقائدي استطاع تحقيق نصر تشرين عام 1973، والذي قلب المعادلات في المنطقة، وأرسى قواعد اشتباك جديدة وحقق الردع بعد أن قضى على أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، والذي حاول كيان الاحتلال ترسيخها لدفن قضية فلسطين وإحباط جماهير الأمة، ومع اشتداد عود محور المقاومة وشعور أمريكا بالعجز عن حماية قاعدتها في المنطقة “إسرائيل” جاءت الهجمة الشرسة باستخدام الإرهاب التكفيري المدعوم من دول عظمى والممول من مالك البترودولار لقصم ظهر محور المقاومة، ولكن رغم حجم الاستهداف وما خلفته الحرب من قتل وتشريد ودمار، فإن شعبنا المحصّن عقائدياً بمبادئ البعث والملتف حول جيشه وقائده الرمز السيد الرئيس بشار الأسد تمكّن من إفشال المؤامرة الكبرى، وها هي سورية ترسم اليوم الخطوط العريضة للانتصار المبين، لتكون من جديد نقطة محورية في تحديد شكل تحالفات المستقبل.
ستة وخمسون عاماً من عمر الثورة انقضت، كانت حافلة بالإنجازات على جميع الصعد، رغم ما اعترى مسيرة شعبنا من انتكاسات جراء الاستهداف الخارجي الممنهج، مرة عبر التدخل العسكري المباشر، أو عبر الحصار الجائر الذي وصل حد لقمة عيش المواطن، أو الوكلاء من إرهابيي القتل الجوال، أو من المتآمرين في منطقتنا، إلا أن شعبنا استطاع تجاوز كل النوائب والمحن، وبقيت سورية قلب العروبة النابض، والتي تسير اليوم نحو تحقيق الانتصار على الإرهاب، وتمضي قدماً في معركة البناء على المكتسبات ومعالجة السلبيات، وإعادة بناء ما تهدّم، لتبقى ثورة البعث المتجدد المنارة التي تهتدي بها جماهير شعبنا لبلوغ شاطئ الأمن والاستقرار.
عماد سالم