ثورة الثامن من آذار كمشروع فكري وطني
علي اليوسف
لم يكن أمام حزب البعث العربي الاشتراكي الذي شعر بمرارة الانفصال عام 1961 إلا طريق الثورة لإعادة إحياء روح الترابط القومي للشارع العربي، ولم تكن ثورة الثامن من آذار التي انطلقت عام 1963، ونعيش ذكراها الـ /56/، إلا تعبيراً صادقاً عن الرغبة في إعادة إحياء ذاك الشعور القومي بعد إصابته بعدد كبير من الطعنات التآمرية.
وهي، أي ثورة الثامن من آذار، لم تكن المشروع الثوري الأول، فقد سبقتها ثورات كثيرة: ثورة 23 تموز 1952 في مصر، وثورة 14 تموز في العراق، وثورة 8 شباط عام 1963 في العراق أيضاً، وثورة 26 أيلول في اليمن عام 1962، والثورة الجزائرية والليبية، أجهضت جميعها بفعل التآمر الخارجي عليها، لكن ثورة آذار استطاعت تجاوز تلك المؤامرات الخارجية، ورسمت الخطوط العريضة للدولة السورية، ولعدد كبير من الدول العربية التي تم فصلها لاحقاً عن محيطها العربي لأسباب مالية، واقتصادية، والأهم جيوسياسية.
لقد أسست ثورة الثامن من آذار لمرحلة جديدة متقدمة في تاريخ سورية، وهي الوقوف ضد ما يحاك للأمة العربية من دسائس ومؤامرات، لأنها كانت ثورة شعبية انطلقت من حاجات الجماهير وتطلعاتها، قام بها مناضلون شرفاء، في مقدمتهم القائد المؤسس حافظ الأسد، للتأكيد على دور حزب البعث العربي الاشتراكي كمشروع فكري وطني وديمقراطي وشعبي.
ومع بداية الحملة الإرهابية على سورية عام 2011، أدرك الجميع أنها تدخل في تصفية العمل الثوري المقاوم لسورية التي بقيت وحيدة في وجه المخططات الصهيو- أمريكية، صحيح أنه خلال السنوات العجاف غابت الاحتفالات الرسمية والشعبية عن سورية في ذكرى ثورة الثامن من آذار، بسبب محاربة الإرهاب، إلا أنه في هذا العام لا ريب أن الاحتفال بهذه الذكرى يحمل دلالة الانتصار بقيادة الرئيس بشار الأسد على فصل إضافي من فصول التآمر الغربي- الإسرائيلي المتمثّل بالإرهاب الوهابي الذي صدرته قوى المؤامرة على عروبة وقومية سورية، بل على وقوفها في خندق المقاومة ضد ذلك المشروع التآمري.
لقد أثبتت الأحداث التي عصفت بسورية أن الصمود الكبير للشعب والجيش السوري هو نتاج طبيعي للفكر الثوري الذي تم التأسيس له منذ عام 1963، وهو الآن جاء دليلاً لا يرقى إليه الشك في تاريخ الإنسانية، وتسجيل درس لا يمكن نسيانه، حتى إن كافة الذرائع التي جرى تحشيدها بوجه سورية فقدت بريقها في عزل الشعب السوري عن محيطه القومي العربي، رغم أن عدداً من تلك الأنظمة من الوسط المذكور وضعت نفسها في خدمة كل من يحشد قواه لوجستياً وإعلامياً من أجل أن يستسلم الشعب السوري، إلا أن إدراك الشعب السوري لحقيقة موقفه الصحيح في مواجهة العدوان كان من الأسباب الموضوعية والواقعية لذلك الصمود، وهذا لم يكن ليحصل لولا خلق حالة من الوقاية الفكرية لدى المجتمع السوري الذي كان عاملاً من عوامل صمود السوريين، فالحرب التي شنت على سورية هي حرب فكرية وإعلامية، ولولا تحصين المواطن بفكر ثورة آذار لتنكر الجميع لهويتهم الكبرى وهي العروبة، لهذا فإن الاستهداف الخارجي الذي تعرّضت له سورية هو لضرب دورها فكرياً، ونضالياً، وعروبياً.
إن صمود الحكومة السورية، والجيش العربي السوري، يعود في المقام الأول إلى الشعب السوري المتحصّن بفكر ثورة الثامن من آذار التي هي ثورة التحدي العربي، بمعنى أنه ما من عامل خارجي يستطيع أن يساعد أو يساند حكومة ما أو جيشاً ما على الاستقرار ما لم تكن تتمتع هذه الحكومة بتأييد شعبي، وما لم تكن حول هذا الجيش حاضنة شعبية تدافع عنه، لذلك لم تكن ثورة آذار حدثاً عابراً في تاريخ سورية، بل هي معلم بارز في هذا التاريخ، ونقطة تحول في مسار التطور، وأسست بذلك القاعدة الصلبة للصمود العربي في وجه المخططات الصهيونية، وأصبحت سورية القوة الرئيسة للصمود العربي في وجه الامبريالية والصهيونية، وحجر الأساس في العمل العربي لتحرير ما اغتصب من الأرض العربية، واستعادة ما سلب من الحقوق العربية.