أضواء على تطوير وتحديث الإدارة العامة السورية
أ. د. عبد الله طلبة
وزير العدل الأسبق
إن الادارة العامة ترقى في أساس وجودها وعلة نشأتها الى بزوغ الخيوط الاولى لكيان الدولة، ومانجم عنه من ضرورات واحتياجات لحسن قيام وسير هذا الكيان، فلم يكن بدًُّ من وفائها وتلبية دواعيها في طراز منظم من النشاط شكل ولايزال مهمة الإدارة وعهدتها الأبدية.
ولقد أكد التطور الوظيفي للدولة أن الجهاز الإداري كان وليد الحاجات العامة وضرورة إشباعها بجملة من الخدمات والمنافع حتى غدا استقصاء تلك الحاجات، وتقدير وتقرير طرق إشباعها، سنداً لشرعية وجود الإدارة وهوية وظيفية لها.
كما خلص هذا التطور إلى تجريد مفهومين مترادفين للإدارة:
* مفهوم مادي أو موضوعي، ويعني النشاط الإداري ذاته وهو تولي شؤون النفع العام وتلبية اعتبارات الدولة
* ومفهوم عضوي، ويعني الجهاز البشري الناهض بالنشاط الإداري والذي يجسد الإدارة كهيئة وسيطة بين السلطة السياسية والشعب أي بين الحكام والمحكومين.
فالإدارة بمفهومها الموضوعي جسد ينفخ فيه المفهوم العضوي الروح والحياة.
أولاً: الخصائص الذاتية للإدارة العامة
ولعل من نافل القول إن الخوض في أي غمار إداري وبالأخص قضية
“تطوير وتحديث الإدارة” يستوجب الأخذ بالاعتبار الخصائص الذاتية للإدارة العامة التالية:
1- إن الإدارة تقوم دائماً في مفهوميها السابقين، أي أنها نشاط وأشخاص معاً.
2- إن العلاقة بين السياسة والإدارة علاقة محتمة وتبادلية التأثير، مهما تنوعت صورها، فيجب أن تتمركز حول أن الإدارة خادمة لوجود الدولة واستمرارها وليس العكس، وهذا الاعتبار هو المصدر الحقيقي لامتيازات الإدارة الواسعة ولمسؤوليتها عن أعمالها في آن واحد.
3- إن رقعة النشاط الذي يعد إدارياً هو رقعة وارفة تشمل كل عمل يصدر عن أجهزة الدولة وسلطاتها أو يصدر لصالحها أو باسمها ولحسابها، لدرجة أن كل نشاط يتعلق بالدولة ككائن اعتباري أعلى يعد إدارياً، وإن لم يكن بكليته فبجزء منه كبعض أعمال السلطتين التشريعية والقضائية وبعض أعمال النقابات المهنية والعمالية.
4- شهرة الإدارة الأوسع في مرونتها البالغة وحساسيتها الشديدة للتوجهات السياسية والاقتصادية والنزعات الاجتماعية والأخلاقية، وتحولاتها في الدولة، وهي مضطرة دائماً لمواءمة هذه التحولات.
5- إن الإدارة علم وفن، ولا فصل بين الأمرين فيها ولهذه الثنائية مدلولها الخلاق في صلاح الإدارة أو قصورها.
يحسن الاعتداد- إذا- بهذه الخصائص الخمسة في أي تداول لمسألة التطوير أو الاصلاح الإداري، تلك المسألة التي تصاعد البحث حولها مؤخراً في سورية. ولعل الجديد في أهميتها وتوقيت إذكائها أن العالم في بداية الألفية الميلادية الثلاثة قد تحول إلى أقنية متلاقية من الاتصالات والمعلومات، تتفاوت الدول بقدرة المرور فيها، كما انقلب اقتصاده من أنظمة الحماية والتخطيط والرسملة إلى نظام الأندية العابرة للحدود.
ويبدو لنا من هذا المشهد أن ركب الإدارة المتطورة والراشدة هو الموصل الأفضل بنا الى مكانة منظورة في الألفية الثالثة التي تكاد تثبت أن الزمن هو البعد الرابع للأشياء فعلاً.
من هنا تجد ميزة أخرى في أهمية التطوير الإداري وحيويته، عبر ربطه بالعبور إلى الألفية الثالثة واعتباره سند الأهلية لعضويتنا في التاريخ الجديد.
– ثانياً: واقع الإدارة العامة السورية.
بعد أن تزايدت مهام الدولة العربية السورية بدءاً من تأميم شركات الكهرباء الأجنبية عام 1951 وإنشاء شركات الاقتصاد المختلط كما في شركة مرفأ اللاذقية وصدور قانون الاصلاح الزراعي لعام 1958، وصدور قوانين تموز عام 1961 التي وسعت من رقعة القطاع العام، إذا تضمنت تأميم جميع المصارف وشركات التأمين وبعض الشركات الصناعية تأميماً كلياً وتأميم عدد من الشركات الأخرى تأميماً جزئياً، ثم ازداد حجم القطاع العام بعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963، وبعد قيام الحركة التصحيحية في تشرين الثاني عام 1970 أمعنت الدولة في دمج الشركات المؤممة والهيئات وتوسيع نطاق أعمالها وإقامة هيئات ومشروعات اقتصادية ضخمة فضلاً عن قيامها بمشروع سد الفرات واستثمار النفط، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى تزايد نشاط الدولة وتوسيع قطاعها العام وتضاعف عدد وزاراتها ومؤسساتها العامة الإدارية منها والاقتصادية. وجعل من الدولة القائد والموجه للتطور وللتحولات العميقة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ونتج عن ذلك كله زيادة وتضخم في عدد الوظائف العامة والموظفين الشاغلين لها على اختلاف مستوياتهم.
ورغم أن الجهاز الإداري في سورية حاول أن يطور نفسه الى حد ما ليستوعب هذا التطور وليكون اليد الفعالة للدولة التي ساعدتها وتحاول أن تساعدها على تحمل أعباء هذه التغيرات والتحولات وعلى تأدية الخدمات الأساسية للمواطنين، كالمحافظة على الأمن وإقامة العدل وإنشاء القاعدة الأساسية للاقتصاد، والقيام بالمشروعات الأساسية كالمواصلات والسدود، وإدارة قطاعات الإنتاجين الزراعي والصناعي وممارسة نشاطات الاستيراد والتصدير ورعاية الأجيال الصاعدة في المجتمع بالتربية والعناية الصحية وحماية العناصر البشرية المنتجة في المجتمع وضمان مستقبلها، ورغم أن الدولة قد أصدرت الكثير من القوانين والنظم التي تستهدف إصلاح الإدارة الحكومية إلا أن تلك التغيرات المتقدمة الذكر قد جعلت الجهاز الإداري لايزال يواجه، في نفس الوقت، كثيراً من المشكلات التي بدأت تتضح مظاهرها وتتكشف معالمها واضحة بينة وتتفاقم آثارها.
ويبدو لنا أن هذه المشكلات تجلت بشكل واضح في تداخل الأعمال والاختصاصات بين الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وتعقيد الإجراءات وسوء استخدام عمال الإدارة العامة، وشدة تركيز الاعمال الإدارية، ونقص خبراء التنظيم، وإهمال سياسة الإعداد والتدريب. نجم عن ذلك كله انخفاض في مستوى كفاءة الإنجاز في قطاعي الأعمال والخدمات، وزيادة في تكلفة الإنتاج وتأخر في إنجاز الأعمال الإدارية وتخلف في اتباع الأساليب العلمية في تنظيم وسير العمل الإداري.
أي أن جهازنا الإداري بدأ يواجه مشكلات تخطيطية وتنظيمية وتنفيذية ما جعله غير قادر على تلبية مستلزمات التطور الجديد ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– ثالثاً:آراء وملاحظات حول تطوير وتحديث الإدارة العامة السورية.
شاع الحديث في الآونة الأخيرة عن الاصلاح الإداري وضروراته وفرصه وأساليبه وذلك نزولاً عند الإحساس العميق بأن الإدارة هي ركن قيامة الدولة ومناط تفوقها الحضاري، وما في هذا التقييم من معان ركيزية لأهمية الإصلاح والتطوير في جنبات الإدارة العامة.
ولابد لنا من التنويه بأن تطوير وتحديث الإدارة السورية ليس بسيطاً في تحديد ركائزه وطرقه، وفي تحليل أسسه العلمية والفنية. وهو ليس معجزاً في تحقيقه وإنقاذه، إذ ينبغي التذكير مع البحث في مشاكل الإدارة السورية إلى بالمزايا والضمانات التي تحيط بتلك الإدارة والتي تعد لها أسباب الصلاح والنجاح!.
أ: ولاية مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية على بنية الدولة الإدارية
واعتباره مركز القيادة الإدارية الأعلى، لأن دوره إداري صرف لاسياسي ( وفق تحديد الدستور) وفي هذا ضمانة مبدئية لحسن عمل الإدارة وجدية ترابطها.
ب: تعدد الأجهزة التخطيطية التي ترسم وجهات النشاط الإداري، وتهيئ – بالتالي- مقارنة تعقيبية بين ماهو كائن وما يجب أن يكون، وتنوع الهيئات الرقابية والشرعات العقابية التي تختص بصون المال والصالح العام.
ت: البيئة الاجتماعية الزاخرة بأوليات الإدارة الصالحة، من عديد الكفاءات العلمية والفنية وعدة المخزون الاخلاقي الطيب والمتوارث عبر الاجيال.
ث: يعد التصحيح الإداري عملاً إدارياً علمياً منظماً من شأنه القيام بتغيير مخطط بهدف إحداث تحولات إيجابية في مجمل عناصر العمل الإداري في الدولة من أفراد ومنظمات وأنظمة ووسائل وأدوات ويتم ذلك كله من خلال جهد جماعي منظم ومنسق في مختلف قطاعات الدولة، وعلى كافة المستويات. وكذا هو تشخيص مواطن الصالح العام وإحقاقها، وتبيان الخطوط الفاصلة والواصلة بين المصالح العامة والمصالح الفردية… إنه باختصار شديد “عمل بناء الدولة وتسييرها”.
ج: تأكيد القائد العربي المقاوم والفذ بشار الأسد على حتمية قيام الإدارة الصالحة من أجل تطوير وتحديث أجهزة الدولة، فهو يوجهنا إلى ” أن تحديث الدولة يقتضي تنمية الشعور بالمسؤولية ورفع الكفاءة الإدارية والمهنية وهذا يتطلب قيام كل عامل في الدولة مهما علا موقعه بتحمل مسؤولياته كاملة، وإنهاء حالة الهروب من المسؤولية سواء بإلقائها على عاتق الأدنى، أم الأعلى، ومحاسبة المقصر أو المتهرب واعتبار الإخلال بواجبات العمل والتهرب من المسؤولية، سواء مسؤولية القرار أم مسؤولية التنفيذ أم مسؤولية المراقبة والمتابعة، إخلالاً بالواجبات الوطنية”.
ح:يلاحظ في جنبات العمل الإداري السوري، الكثير من التعقيدات والمعوقات التي لاتحتاج في علاجها إلى بنود ملحوظة في السياسات العليا للدولة، بل يمكن تجاوزها بمبادرات مباشرة وبأقل الوقت والنفقات، وعلى ذلك فالإحساس العام لا يجب أن يعمر بأن هناك ( تخطيطاً وبرمجة وتأطيراً وغيرها…) أو بأن هناك نية عليا، بل يجب ان يعمر بأن العمل الإداري الملموس يسير نحو الأمثل أيا كانت الوسائل المسببة لذلك.
خ- إنه وإذا ما أمعنا التبصر في شؤون الإدارة لأدركنا أنه لا يوجد بالمطلق ذات خاصة ومستقلة بعينها تدعى ( العملية الإدارية) ويمكن فرزها عن حالة السير الإجمالي لمرافق الدولة وبناها وتستلزم – بالتالي- تجريدها وإعمال التجديد والتنمية عليها… إذ لايمكن الانغماس في استخراج التقييمات، ووضع النظريات وترداد القول بإصلاح إداري أو بتصحيح، دون المراعاة الشديدة للتنوع في صور ووظائف العمل الإداري، فالتصحيح أو التطوير لابد أن ينطلق من الطبيعة النوعية، في كل عمل إداري، ولقد آن الأوان للتجاوز عن المعايير المعتادة في انتهاج الاصلاح الإداري كجملة من المبادئ العامة والأمثال العليا والقواعد الإطارية الى المعايير النوعية التي تلامس دواخل وتفاصيل وخصوصيات العمل في كل إدارة أو مرفق.
فلو ركنا إلى منطلقات وأفكار من قبيل ( رفع السوية، وزيادة الحوافز المادية والمعنوية والتأهيل والمحاسبة وتحسين التدفق المعلوماتي والإحصائي وغيرها…) وأطلقنا تطبيقها على مجمل الاجهزة والهيئات الإدارية فهل ستتساوى جدواها الإصلاحية في دائرة الأحوال المدنية- مثلاً- معها في دائرة للمصالح العقارية أوفي مؤسسة خدمية معها، في مؤسسة ذات طابع اقتصادي؟ بالطبع لا، فالمطلوب نوع من ( التفريد الاصلاحي) يوجه العناية الى خصوصية كل عمل إداري ويركز الإرادة نحو تحقيق الغاية التي أقيم واتخذ من أجلها هذا العمل، وذلك بالصورة الفضلى.
فما هو الإصلاح المستفاد (مثال آخر) من تدريب وتحفيز ومحاسبة في دوائر مراقبة الدخل والاستعلام الضريبي، دون أن تتجاوز نسب الجباية الفعلية حداً ضئيلاً من الإيراد المقدر في موازنة الدولة.
-رابعاً: إنعاش الإدارة العامة السورية… ومن ثم ارتقاؤها
وبناء على ما تقدم فإن إطلاق الظروف الطبيعية لعمل إدارتنا، وفق تلك الضمانات والمعطيات المحيطة بها، يمكن أن يشكل منطلقاً جديا لتطوير الإدارة، وهذا ماسندعوه ( الانعاش الإداري) فالإدارة السورية تتطلب الانعاش واقتفاء التطور في أي مجال من مجالات الدنيا مادام يتعلق بنشاطها وبعمالها وليس شيئاً آخر.
– والحقيقة أن الإدارة العامة ليست حدثاً كي ننادي بإصلاحه وهدايته، بل هي الحواس الخمس للدولة، فلنناد برعايتها ورشدها، ولنميز بين الإدارة الحافلة بالارتكابات والإدارة المكبلة بالمعوقات التشريعية أوالتنظيمية أو الأخلاقية، ومع أن كليهما فاشل وقاصر، وأن الأولى نتيجة للثانية، إلا أن أساسيات الصلاح والرشاد في الإدارة تلوح من تقويض بعض المعوقات التي تقوم في ذات البنيان الإداري والتي تصدَر القصور والفشل بدوام قيامها.
– وفي جانب آخر نرى من صور القصور الإداري نفسه أن تشخيص القصور واستقصاء المشكلات ينحصر أحياناً في مجال بعض الإدارات التنفيذية (هيئات- مؤسسات- شركات …إلخ) دون اشتمال جهات أخرى كالاتحادات والنقابات والجمعيات والوحدات المحلية التي لا يعصمها الانتخاب عن الخطأ والفشل. وكذلك الجهات الرقابية والتفتيشية، فالرقابة على أعمال وقرارات وعقود الإدارة مَعَْقِدُ صلاحها وتطورها، بكل معنى الكلمة، وإذكاء هذه الرقابة بمختلف أشكالها سيفرض الصلاح والنجاح الإداريين فرضاً، ولا مبالغة في القول أن الرقابة وخصوصاً رقابة القضاء تنزلُ من الإدارة منزلة الذهب من النقد، فهي غطاؤها ومرد فعاليتها ومبعث الثقة العامة تجاه دورها. وهذه الجهات لم تك يوماً من الكيانات القدسية التي لا يأتيها باطل أو خلل، إذ تحق عليها عين التطوير والترشيد في أعمالها وفي أنظمتها.
– ولا يغيب عن الأذهان ماللتشريع من دور مصدري في صلاح الإدارة أو قصورها، ولعل من ألمع الأمثال في سورية حول ذلك ماجاء به القانون رقم /50/ لعام 2004، المتضمن نظام العاملين الأساسي في الدولة من تقسيم لمدارج الوظيفة إلى فئات خمس حسب المؤهل العلمي، مُلغياً بذلك نظام الحلقات والمراتب والدرجات الذي ساد قبله، فأمست الفئات الخمس وعبر التطبيق، أوعية متسلسلة يتساوى في كل وعاء حاملو المؤهل بصرف النظر عن القدم الوظيفي والخبرة والسيرة المهنية،بشكل ينال من مفهوم التدرج الوظيفي ومفاهيم الفن والتمرس في النشاط الإداري.
– أما المسألة الأخلاقية لدى قادة وعمال الإدارة، فهي مسألة من مسائل الإنسانية الكبرى وليس الإدارة العامة فقط.
ولاريب أن التكوين النفسي والأخلاقي للإنسان قادر على تغيير المسيرة الكونية برمتها، فكيفما المسيرة الإدارية،؟! إن ماعلينا التماسه في هذه المعضلة، الحصون الذاتية للإدارة ضد النزعات السيئة والشريرة من بعض عامليها، كحسن ودقة الانتقاء للتعيين والترقية والتدريب والتأهيل والرواتب والأجور وتبسيط الإجراءات ومعايير الأداء المتقدمة، وكذلك إسهار عين الرقابة الرئاسية والقضائية وإشهار سيفها دائماً.
ويعنينا في هذا الصدد التأكيد على أن القصور أو الفساد الإداري لا ينحبس في المدلول الأخلاقي وحسب، فالإدارة البدائية.. قاصرة، والإدارة المتعالية.. قاصرة، والإدارة الشخصانية قاصرة، والإدارة المغامرة..قاصرة.
ولا يكفي التصرف الإداري أن يكون بريئاً في وجهته الأخلاقية، بل يجب أن يكون ملائماً في فعله ونتائجه ومردوده على الصالح العام.
وفي جميع الأحوال لم نصل ولن نصل في سورية العربية إلى مستوى الفاقة العلمية والفنية والأخلاقية كي نستدر تجارب الآخرين أو كي نُعوِّم الأجهزة الإدارية باستحداث أجهزة فوق إدارية تتولى التطوير والترشيد أياً كانت مسمياتها، إذ إن المعطيات بين يدي إدارتنا تُسعفها في الارتقاء والنجاح، بإفساح المجال لفعاليتها الطبيعية، وفق الحدود والغايات الملحوظة في القوانين والأنظمة، وفي الاعتبارات العليا للدولة، وفي المجتمع، وكذا في مسيرة العالم الماضية قُدماً، وليكن من الخطوات الأولى في ذلك أن ننتقل من (إدارة الإجراء واللائحة) إلى (إدارة القرار والمبادرة) فالقرار هو الذي يضع الإدارة تحت الشمس فيٍُعريها أو فيٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍطهرها.
ويبدو لنا أن الإدارة المتطورة والرائدة تتمثل في النواحي التالية:
* تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الإنمائية المتاحة.
* إيجاد الروافد المالية اللازمة للنهوض الاقتصادي.
* عدالة توزيع الثروات والنواتج الوطنية.
* استنهاض الطاقات العلمية والكفاءات الإبداعية واستجلاب فرص التفوق التكنولوجي والفني سواء في الصناعة أم في الزراعة.
والأهم من ذلك كله أن هذه الإدارة هي القادرة وحدها وبسلطة القرار والمبادرة على رسم وإظهار الحد الفاصل بين التضامن الاقتصادي مع دول العالم والغزو الاقتصادي من قبل دول العالم.
ينجم من مجمل ماتقدم أن ( الانعاش الإداري) في سورية والمستدعى من قبل رئيس الجمهورية، ومن الجهات العامة وسائر المعنيين سيكون السمة المثلى للانتقال الى العالم الجديد العامر بالتحديات والمفترقات، والإدارة المتطورة الراشدة في كل المجالات هي القادرة على إصعاد بلدنا إلى مصاف ( الدولة البعد)، ودولة التأثير، ومنع هبوطها إلى مستوى (الدولة الساحة) ودولة المجال الحيوي للآخرين.