تشميع الفواكه..وسيلة تسويقية لجذب الزبائن وطريقة لتقليل الفاقد المائي دون أضرار صحية!
كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث التي تبحث في ماهية تلك الخلطة السحرية التي تمنح بعض أنواع الفاكهة بريقاً يميزها عن غيرها من الأنواع الموجودة في واجهات المحلات التي تفننت في أساليب إغراء الزبائن واستقطابهم وتحفيزهم على الشراء، ولكن مع دخول مكونات هذه العملية التسويقية بخلطتها السحرية دائرة التشكيك بسلامتها من قبل المواطن، بات من الضروري تسليط الضوء عليها، وكشف بعض أسرارها.
لا شك أن ذلك الدور التسويقي الجمالي المستخدم لعرض الفاكهة يؤثر على أذواق الزبائن واختياراتهم للمواد المتوفرة في السوق، ولكنه في حقيقته تأثير مزدوج، فتلك الجمالية التي تساهم في استقطاب الكثيرين لشراء هذه المنتجات تثير في الوقت ذاته مخاوف الناس من نوعية المواد المستخدمة في تحسين مظهر الفاكهة، حيث تتحرك هواجسهم وشكوكهم فيبدؤون بطرح العديد من الاحتمالات والتساؤلات حول سر جماليتها، وإمكانية تأثيرها على الصحة، وخاصة البرتقال منها، فما هي مكونات تلك الوصفة التجميلية المسماة “التشميع”؟ وهل لها أضرار صحية أم أنها مجرد مواد أو مساحيق تجميلية ليست لها أية انعكاسات سلبية على الصحة؟.
ماذا يقول العلم؟
الدكتور محمد الشاهين، “هندسة زراعة”، بيّن أن عملية التشميع تجري بعد قطاف الثمار من خلال وضع طبقة رقيقة من الشمع الطبيعي على سطح الثمار لغرض إعطائها مظهراً جذاباً، وإطالة مدة حفظها، إذ إن الطبقة الشمعية تقلل من الفقد المائي للثمار، حيث تضاف إلى الشموع بعض المواد المطهرة، أو المواد التي تقلل من شيخوخة الثمار التي يمكن أن تشمع مثل: (البرتقال– الليمون- اليوسفي- الخيار– الطماطم- الموز- التفاح).
وأكد أن التشميع يستخدم للثمار المراد تخزينها كونه يمنحها مظهراً جذاباً، ويظهر جماليتها ويحسنها، ويساهم في قبولها بشكل أكبر من المستهلك، وإلى جانب ذلك فإن التشميع يؤدي إلى التخفيف أو التقليل من شدة الفقد المائي في الثمار، فالماء موجود بنسبة 80-85% في تركيب البرتقال، و85-90% في التفاح، ويشبّه الدكتور الشاهين الثمرة عندما تكون على الشجرة بالجنين الذي يتغذى من أمه، حيث تعوض الثمرة أية عملية نتح عن طريق تغذيتها من الجذور، وعند القطف فإن أي فاقد مائي لا يعوض.
ولفت إلى أن التاجر يدفع ثمن وحدة وزنية للمواد التي يتم تخزينها في المخازن، وعملية التخزين تعني وجود فاقد مائي نتيجة التبخر يقدّر بـ 10% من وزن هذه المواد نتيجة طيران الماء في الهواء، وهذا الفاقد جزء من الوزن، وله سعر أو ثمن، ولذلك يلجأ إلى أساليب عديدة، منها التشميع لتقليل الفاقد المائي الذي له أضرار تتمثّل بخسائر اقتصادية نتيجة انخفاض جودتها وقيمة الثمرة التسويقية نظراً لتأثر تركيبها الكيميائي الذي يؤدي إلى ذبولها.
وأشار إلى بعض أنواع الشموع المستخدمة مثل شمع البرافتين الذي يمنع تبخر الماء من الثمار، ولكنه لا يكسب الثمار بريقاً جذاباً، وشمع الكارتوبا الذي يعطي لمعاناً وبريقاً للثمار، لكن مقدرته قليلة على منع تبخر الماء، وهناك خليط من النوعين إلى جانب مركبات شمعية جاهزة، وهو خليط من عدة شموع وزيوت، وأكد على ضرورة عدم زيادة فترة التخزين، أو زيادة سماكة الطبقة الشمعية حتى لا تسد المسام فيحدث فساد وتخمر كون الثمرة جزءاً حياً يأخذ الأوكسجين، ويطرح ثاني أكسيد الكربون، وعندما يتم إغلاق المسامات تقل نسبة الأوكسجين، وتزداد نسبة الكربون، ما يؤدي إلى التخمر، وخلق نواتج استقلاب ضارة ذات رائحة كريهة تؤثر في جودة طعم الثمرة، كما أن زيادة مدة تخزين المادة المشمعة تتسبب في تزايد النواتج الضارة الناتجة عن العمل الحيوي، ولذلك يجب أن تخرج.
وعن مدد التخزين الصحيحة قال: “إن أكثر الأصناف التي تخزن هي التي تقطف بشكل متأخر مثل صنف برتقال فالنسيا الذي يخزن حتى أربعة أشهر في مخازن حرارتها ما بين 2-3 درجة مئوية، ونسبة الرطوبة 80-85% في هواء المخزن، وهناك أنواع تحتاج إلى حرارة أعلى مثل برتقال أبو صرة الذي يخزن في حرارة 5 درجات مئوية، والليمون 12 درجة مئوية، والكريفون 12 درجة مئوية، وفي حال تم تخزينها بدرجات أقل فإنها تفسد”.
وبيّن أن الشموع المستخدمة طبيعية، وخاصة للتفاح، وتؤكل وليست لها أضرار، ولكن في حال تخزينها لمدة طويلة يجب الانتباه إلى أن بعض المواد الفطرية (المبيدات الفطرية) تستخدم من أجل حماية الثمار من الإصابة ببعض الأمراض: (عفن البنسليوم– العفن الأخضر- عفن الجروح)، حيث إن أية ثمرة مجروحة بجرح ولو كان غير مرئي معرّضة لدخول الفطر إلى الداخل وفسادها.
ولا ينصح الدكتور الشاهين باستخدام أية مادة شمعية أو غير شمعية، وخاصة بالنسبة لثمار التفاح والبندورة التي تملك طبقة شمعية طبيعية أثناء النضج، وهي قابلة للتخزين دون أية مواد أخرى، ويفضّل أن تتم تغطية الحمضيات بأكياس ورقائق (بولي اثلين) لحمايتها من الفقد المائي، وأضاف بأن الدول الأوروبية تضع إشارة استفهام على كل ثمرة يتم التعامل معها بمواد كيماوية يمكن أن تتسبب بأمراض بعد استخدامها لسنوات، فمادة داي فينيل التي استخدمت لتغطيس ثمار التفاح لحمايتها من مرض الصمت أو الحرق واللفحة التي تترك طبقة سمراء أو بنية على قشرة الثمرة، اكتشف فيما بعد أنها مسرطنة، ولذلك من الأفضل عدم معاملة الثمار بأي شيء، ويجب تركها كما هي، فكفانا تسممات وتلوثات، وعلينا العودة إلى الطبيعة، وعدم استخدام أي شيء له أضرار مستقبلية.
مجرد تجميل
بالمحصلة النهائية نستطيع القول: إن عملية التشميع هي في الوقت الحالي عملية تجميلية تسويقية خالية من أية أضرار صحية على المواطن، ولكن ماذا يحمل لنا المستقبل من مفاجآت تتعلق بانعكاسات المواد الشمعية التي تدفن داخل أجسامنا على مراحل؟!.
المحرر