خير “هولندا السورية”
عندما خاطبت تلك العجوز مسؤولاً كان يجول في الحقول، وبعفوية ابنة الأرض كانت عبارة “خيي يا وزير.. اعطونا مي والباقي علينا..”، أكثر من مجرد مطلب عالماشي، بقدر ما هو اختزال للحال المزمن من المعاناة المكرورة على مدار السنوات والعقود، دون أدنى تفكير وتخطيط وتنفيذ استراتيجي يجعل من سهل الغاب الذي طالما كان عبارة عن مستنقعات حولتها اليد الوطنية إلى واحة لا تختلف كثيراً عن “هولندا” لا بالمساحة ولابالغنى وبالأهمية لهذه الدولة التي تنافس العالم بثرواتها الزراعية والحيوانية.
في هذا السهل المعطاء يا سادة كل المكونات الطبيعية جاهزة للإنتاج الزراعي والحيواني من خصوبة التربة والموارد المائية، إلا أن كل المحفزات غائبة، وعلى رأسها سوء وانعدام الإدارة البشرية الحاملة للاستثمار الحقيقي، الذي يجعل من البقعة المأمولة “رحماً” للغذاء النباتي والحيواني، حيث تستمر وتتوالى حالة التأزيم لمنطقة تنهال عليها تدفقات المياه في فصل الشتاء إما بالهطول أو السيول لتغمر الجزء الأعظمي من المساحات الزراعية بأهم المحاصيل الأساسية والاستراتيجية “قمحاً و شعيراً وشوندراً وخضاراً”، في وقت يصبح الماء عزيزاً في فصل الصيف، ومن الصعوبة بمكان تأمين حدود الكفاية لمزروعات لا تسلم من الجفاف ولا الجوائح والأمراض، وما كثر وزاد من الإصابات وموجات المناخ واعتداءات الطبيعة التي لا مجال إلا لتقبلها لأنها خارج الإرادة، ولكن الغصة في عدم وجود إدارة بشرية تحصن وتحمي وتؤمن المطلوب “للغاب” الذي غاب عن أولويات هذا المسؤول أو ذاك.؟
أمام ارتكاب من هذا النوع بحق هذا السهل واحتياجاته المائية في فترات السقاية الربيعية والصيفية حسب العروات والأصناف المزروعة، لا يمكن سوى استذكار ما يحصل عند الإقليم الساحلي ذاك الجار الذي يتقاسم الشكوى مع الغاب في حصاد المياه وقطافها كمشروعين كثر الحديث عنهما في وزارة الموارد المائية خلال السنوات السابقة، وبالتالي يعيد جميع من يخصه الأمر من مواطنين ومزارعين عبارة تلك العجوز التي رفعت الصوت بوجه المسؤول يوماً ما ولم يتغير شيء إلى الآن.؟
يدرك جميع صناع القرار أن الغاب ينشد الماء الذي يتطلب تركيزاً على إنشاء السدود، فلمن لا يعلم لا سدود في الغاب، ولا استثمار مقنعاً في المياه، رغم أن ملايين الأمتار المكعبة من المياه تذهب هدراً على شكل طوفانات تدمر المساحات المزروعة كل عام.
ولأن ثمة شهادة جاءت ونحن نعد العدة لكتابة هذه الزاوية ونفرد لها حيزاً تعود لوزير الموارد المائية ومدير عام هيئة الموارد المائية، هذه الشهادة تظهر حقيقة ما نورده بأن الغاب بلا سدود، والدليل أن هناك 8 سدود قيد التنفيذ لا يوجد للسهل الخصيب أي حصة… فمن ينقذ الغاب من عجزه الماضي والحالي وحاجته للسدود.؟ والسؤال الملح لماذا لم تفعل الموارد المائية وتضع هذه المنطقة في الأولوية رقم واحد..؟ هي علامة استفهام وإشارة تعجب يرمي إليها آلاف المزارعين وملايين المستهلكين ممن ينتظرون خير “هولندا السورية”.؟؟
علي بلال قاسم