ثقافةصحيفة البعث

التلفزيون السوري.. بين ماض من الزمان وآتِ

 

ثمة أجيال من السوريين لا يعلمون وسط تخمة البرامج الفنية التي تُعنى باكتشاف المواهب، والتي بدأت بالظهور منذ عدة سنوات فقط على الشاشات العربية الأكثر مشاهدة، وذهاب تلك البرامج المستنسخة عن البرامج الغربية حتى في شكلها، الذي تفرضها عليه النسخة الغربية الأصلية، كشرط أساسي يجب إتباعه في النسخة العربية منها، نحو تكريس فكرة الحلم والشهرة عند الشباب العربي، بدلا من العمل والجد؛ من تلك البرامج وعلى سبيل الذكر “ذا فويس،آرب غودتايلنت وغيرها”؛تلك الأجيال لا تعرف أن التلفزيون السوري الرسمي، هو من أوائل الشاشات التلفزيونية التي ذهبت نحو اكتشاف المواهب الغنائية الشابة، وذلك من خلال برنامج تنافسي فني حمل اسم “طريق النجوم”، حينها لم تكن أشهر القنوات العربية الأكثر متابعة اليوم موجودة أساسا، هذا عدا عن البرامج الإذاعية التي اشتغلت أيضا على اكتشاف الأصوات الجميلة منذ ثمانينيات القرن المنصرم.
مجموعة من الشباب الذين تضج بهم الحياة، يقفون أمام لجنة حكم خبيرة، مؤلفة من ملحنين ونقاد فنيين ومطربين، من زمن الجيل الجميل للأغنية السورية، منهم الملحن “إبراهيم جودت” والمغني الشهير “معن دندشي”، في “طريق النجوم”، وكان يُعده الإعلامي الراحل “رياض سفلو”، وتقدمه المذيعة المخضرمة “عزة الشرع” في سهرة الخميس من كل أسبوع، وكان أول من ذهب مذهبه، هو برنامج “استديو الفن” على التلفزيون اللبناني، والذي تخرج منه معظم المغنين اللبنانيين، الذين صاروا نجوما في فضاء الأغنية العربية، بعد أن كانت ريادة هذه الأغنية ولسنين طويلة، محصورة في مصر.
“طريق النجوم” الذي جاء بداية التسعينيات في زمن احتضار الأغنية المحلية، لم يحيا على التصويت لكل متسابق من قبل الجمهور و”الفانزات”، فلم تكن شركات الاتصالات موجودة آنذاك، ولم تكن توجد أيضا الشركات الكبرى في العالم التي ترعى هذا البرنامج أو ذاك، بحيث تبدو هذه البرامج، بمثابة دعاية يومية وللملايين من المتفرجين لذاك المُنتج أو غيره، وكان من ربح في البرنامج المذكور حينها، الفنان “وضاح إسماعيل”، وهو صاحب صوت جميل وعذب، صاف وهادر، عدا عن كونه عازف عود بارع، إلا أن نجمه خبا لعدم الرعاية الفنية ولعدم وجود شركات إنتاج فنية تتبناه وتنتج له أشرطة كاسيت تحمل أغانيه حينها، إلا أن النقطة الأهم في الموضوع، هو في الفكرة نفسها، وهذا ما يدفع للاستغراب والسؤال: لماذا تنجح الشاشات التي تقلدنا في كسب رضا الجمهور ومتابعته، خصوصا في البرامج المأخوذة أفكارها من برامجنا أساسا؟ هذا السؤال يقود لسؤال آخر: بما أنه لدينا هذا النضج التلفزيوني المبكر، ولدينا كفاءات مشهود لها بما تفكر وتعمل، لماذا تنجح هذه المواهب في الخارج، بينما يصيبها الجمود والمراوحة في المكان لدينا؟ التلفزيون الرسمي المحلي، كان في زمن ما، من أهم التلفزيونات وأعرقها في المنطقة، ومن كان من دول الجوار يصله بثه، كالأردن مثلا، كانوا يتابعون شاشتنا الرسمية، لا شاشاتهم، ومن اشتغل فيه حينها، اكتسب خبرة كبيرة، حتى صار لديه القدرة لإطلاق محطة تلفزيونية في بلد عربي آخر، خصوصا إذا عرفنا أن العديد من أهم الشاشات العربية، وقف وراء نجاحها إعلاميون ومُعدّون ومخرجون وغيرهم من الفنيين السوريين، الذين تركوا هذا المنبر الأهم، تحت ضغط الحياة وقلة الأجور التي يحصلون عليها مقابل تعبهم وجهدهم، المشكلة التي ما زالت مستمرة حتى الآن.
تمّام علي بركات