ليتنا نعود صغاراً
قالت لي إحداهن يوماً هل لاحظت أن أجمل الأشياء في الحياة إناث؟ هل أدركت أنت وسواك ممن تضخمت الأنا الذكورية في نفوسهم وحجبت عنهم رؤية الحياة بشفافية أن عنوان الحب والعطاء امرأة؟ وقفت أمام ذلك كله وبحثت هنا وهناك ترى أي امرأة تستطيع أن تحمل في قلبها كل هذا الفيض من المعاني الجميلة؟ فأيقنت ربما متأخراً أنها كانت على حق، بالفعل أجمل الأشياء أنثى والأنثى الأجمل هي الأم فأجمل اللوحات جسدت صورة الأم وأعظم القصائد التي نظمها أمهر الشعراء كانت عن الأم، وكلما ذكر الحب والعطاء غير المشروط كانت الأم حاضرة على الدوام، فمن منا لم تحضر في ذهنه ذكريات الطفولة الممزوجة بالحنين والهدوء والسكينة عندما تلفظ أمامه كلمة أم، كم نحن بحاجة أن نعود أطفالاً لنتخلص مما في دواخلنا من حزن ويأٍس وغضب وحقد، أن نعود أنقياء كما كنا تداعب شعرنا يد أم حانية أنهكتها الحياة بقسوتها ومرارتها لكنها بقيت صامدة تسيّج قلوبنا الصغيرة، وتحمينا من عالم قاتم بلون واحد اختفت فيه الألوان الأخرى، من يستطيع ذلك سوى أم نسيت نفسها لترسم لنا صورة وردية زاهية للعالم من حولنا تعيننا على مواصلة الرحلة المضنية، فكم نحن بحاجة أن نعود أطفالاً لنقول ما بداخلنا ببراءة ولنعبر عن حبنا دون خجل وخوف، دون قيود وضعها المجتمع وأحطنا أنفسنا بها بعد أن لوثتنا الحياة بضجيجها وبهرجتها، وبعد أن لوثناها نحن بحقدنا وأقنعتنا التي اعتدنا أن نرتديها حتى نسينا معها أشكالنا الحقيقية في غمرة بحثنا عن حياة نسينا فيها أنفسنا ونسينا الأهم وهو أن نعبر عن حبنا للكائن الأجمل والأقدس في الوجود.. الأم.
جلال نديم صالح