“حصاد السنين”.. شريط من الذكريات والأحلام
صدر كتاب “حصاد السنين” بجزئه الثالث للكاتب نجم الدين بدر، ويتناول مواضيع علمية وأدبية توجيهية جديرة بالمطالعة، حيث قسم الكتاب إلى عشرة محاور ومن هذه المحاور مشاهد وذكريات في دار البعث، بعض اللحظات التي يمر فيها الإنسان تبقى في الذهن وتستوطن مشاعره، وتظل تغني وتثري وتغري بالرحيل إليها. وهذا هو ديدن الحياة، خمسة وأربعون عاماً من العمل في (جريدة البعث) كانت أشبه بحلم عابر، لكن هذا الشيء بقي في جغرافية النفس تاريخاً توزعت فيه المتاعب والهموم وهي قطعاً ملح المهنة.
يقول الكاتب: خمسة وأربعون عاماً لم أغادر دار البعث وهي ليست مكاناً، ليست حجراً وطيناً، هي إيقاع منفرد وشريط ذكريات ومراحل للأحلام، فجريدة البعث هي صحافة أعطتنا أكثر مما أعطيناها، هي أصدقاء منهم الودود ومنهم اللدود، قضينا معهم رحلة المسافات الطويلة.. لذا ليس سهلاً على المرء أن يترك مكاناً ألفه وأصدقاء أحبهم أياً كانت مغريات الأمكنة الأخرى. خمسة وأربعون عاماً من الشغب والتعب وسهر الليالي كانت الأجمل والأخصب، لا أذكر عدد الأقلام التي بكت حبرها ونزفت على الورق، ولكن إلى أين المفر، نهر من الورق، صحيح أن الأقلام لن تنزف حبرها بعد اليوم، لكن الصحافة هي الصحافة سواء أكانت ورقية أم الكترونية، مرئية أم مسموعة فيها لحظات اشتعال ولحظات انطفاء.
وفي محور “مهمة الصحافة” قال الكاتب: الكتابة في أصلها ممارسة للفعل الإبداعي، ولا تحد ملكة الصحفي الشهادة الحاصل عليها، فالطبيب الذي يملك ملكة الكتابة سيكون أكثر وضوحاً في نقل معلومته إلى الشخص الذي يتلقى هذه المعلومة، فالعمل الصحفي يحتاج لممارسة وخبرة، وحب للمهنة مرفودة بالمتابعة والاجتهاد والقدرة على الابتكار، وهناك العديد من البشر الذين دخلوا إلى عالم الصحافة حباً وعشقاً لها، فأبدعوا رغم عدم امتلاكهم للشهادة الأكاديمية في الإعلام، وهذا يؤكد أن لا شيء يبدو مغلقاً أمام العقل، والخبرة والموهبة مقترنة بالمتابعة والمثابرة على الاستمرار وحب العمل، فالعقل قادر على التعامل مع كل المعطيات الإنسانية.
وليس بخاف على أحد أن للصحافة دوراً هاماً في حياة المواطنين، حيث أنها تسمح للقارئ باختيار مادته المفضلة وإعادة قراءتها وأرشفتها خلافاً للإذاعة والتلفزيون اللذين يفرضان على المشاهد أو المستمع البرامج التي يبثونها.
وحسب رأي العديد من الباحثين والاختصاصيين فإن للكلمة المطبوعة تأثيرها الأقوى على تشكيل الوعي الإنساني، ومن هنا يتضح أن لكل وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري ميزتها التي تغيب عن الوسيلة الأخرى.
ويذهب الكاتب في رؤيته للصحافة حد المثالية إذ يقول: أعتقد جازماً أن هذه المهنة هي من أنبل المهن وأعظمها مكانة لو توفر لها أمران اثنان فقط لكانت الإنسانية في أفضل حال وهما النزاهة والنقد البنّاء، وذلك لما يمكن للصحافة من فعله خلال الدور الذي تقوم به في تدعيم أركان البناء على كافة الصعد سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية..الخ، وذلك عبر نقل الحقيقة كما هي بعيداً عن رغبات الصحفيين وأهوائهم الشخصية، وألا يكون هناك حد لتعرية الأخطاء والتجاوزات التي تحصل في كثير من مواقع العمل، ولا بد للصحفي الناجح الجدير بحمل هذا الاسم، ومن بعض المواصفات التي يجب أن يتصف بها حباً وقناعة وإيماناً وهو يأخذ على عاتقهخ تبعات ما يكتب، وأن يكون ما يقون به متفقاً مع كرامته المهنية، ولا يتبع أساليب خادعة للحصول على المعلومة.
ويستحضر الكاتب أقوال لبعض الفلاسفة والقادة يبدؤها بقول لتوماس جيفرسون: “أن أعيش في بلاد فيها صحافة وليس فيها قانون، أفضل من أن أعيش في بلاد فيها قانون وليس فيها صحافة” وهنا نستنتج من قول جيفرسون –والحديث للكاتب- أن الصحافة يمكن أن يستعاض بها عن القانون عندما تقوم بدورها المنوط بها. أما فولتير فيعتبر أن على عاتق الصحافة أن تهدم كل ما هو غير مناسب للبشرية، وأن تقوم ببناء عالم جديد بدعائم قوية حيث يقول:”الصحافة آلة يصعب كسرها، وستعمل على هدم العالم القديم ليتسنى لها أن تنشىء عالماً جديداً”. أما نابليون فيعتبر أن الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تشيد عليها دعائم الحضارة والعمران.
ويختم الكاتب هذا المحور من كتابه بالقول: “لابد من القول أن الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام يمكن أن تكون سلطة حقيقية عندما يكون غرضها تسليط الضوء على مكامن الخلل والخطأ بعيداً عن أي أجندات خارجية لا تكون الأخلاق منطقها وخير الوطن والمواطنين مستقرها”.
جمان بركات