ثقافةصحيفة البعث

“وادي السيلكون”.. عن الحب والموت في الوقت الضائع

 

وادي السيلكون رواية حديثة للطبيب الأديب نبيل قوشجي، وهي الرواية الثالثة له، بعد روايتيه (رحلة إلى المريخ و أنا أعرف من قتلني). في هذه الرواية الصادرة حديثا عن دار القوشجي بدمشق، نحن أمام عمل روائي مختلف إلى حد ما عما سبقه من أعمال روائية للروائي قوشجي. إلا أن ثمة تيمة نتلمسها في الروايات الثلاث تتبدى لنا على خصوصية تكاد تكون العلامة الفارقة للروائي من حيث أن رواياته وبكل خصوصيتها لا تتقاطع مع أي رواية سورية أو عربية. هي روايته وحده والقارئ والناقد المتابع سيكتشف هذه الخصوصية فور انتهائه من قراءة رواياته الثلاث، هذه الروايات تنحاز قليلا إلى أدب الخيال العلمي، وإلى المدرسة السوريالية في الأدب، أو لنقل هو ذهابه كروائي إلى إيجاد مدرسة روائية تخصه لوحده.
وبالعودة إلى رواية وادي السيلكون،هي رواية بلا أسماء، نحن أمام شخصيات هذه الرواية بلا أسماء (طبيب مغمور، فيما بعد الشبح. الساعد الأيمن، فيما بعد السفاحة، والفتيات الثلاث، والقاضي والشرطي والمحقق، وشخصيات ثانوية بعثرها الروائي، لكننا دائما أمام صفات للشخصيات، أكثر من اسم في الرواية من خلال مواصفاته نتعرف عليه كقراء، وهو تكنيك فني عمل عليه الروائي قوشجي في روايته الثانية (أنا أعرف من قتلني) ويستمر به في ثالثته الروائية (وادي السيلكون)، وبيت القصيد سيكون هنا مع رواية وادي السيلكون هل يحق لنا أن نقول عنها أنها رواية فيها ثلاثية الخيال العلمي، والسريالية، والرواية البوليسية، لكننا بين كل هذا وذاك نحن أمام عمل روائي متكامل ومتناسق، ويحقق كل شروط ومواصفات الرواية الحديثة. الرواية تبدأ أحداثها مع بداية الرواية: (بعد أشهر من إغلاق ملف القاضي الذي لا وارث له طرح المنزل الفاره للبيع، واشتراه طبيب مغمور لكنّه شديد الطموح، في الصفحات التالية ستقرأ قصّته في المنزل الذي سبق وأن عرفته وتجولت به على الورق، لكنك ستدرك أنك لم تكتشف في ذلك الوقت كل أسرار المنزل والقاضي!) ص5 منذ الفصل الأول، ومن الفصل الثاني تبدأ الرواية ويبدأ معها الفعل الروائي مع تجلي شخصية الطبيب المغمور(متعب أنا كآخر سنبلة في الحقل الهشيم, لا القمح المكّدس في البيادر يعدهّا منه، ولاهي من أكوام التبن) المكان الرئيسي الذي تدور فيه أحداث الرواية من ألفها إلى يائها تجري في منزل القاضي الذي اشتراه الطبيب المغمور، الذي يلجأ لقراءة مذكرات القاضي صاحب المنزل، والولوج أكثر بدهاليز هذا البيت واكتشاف الكثير من الحكايا، ومحاولة فك (شيفرة) الكثير من الطلاسم من عامود الرخام إلى باقي تفاصيل القبو، (ولوغو) الصيدليات (عصا أبو قراط وأفعاه تحت القبّة السماوية) ص16، في البيت هناك عدة غرف وهناك قبو وحديقة، أحيانا ينقلنا الروائي إلى أمكنة هامشية أو طارئة، المكان هنا غير موثق أي يمكننا القول أن أحداث الرواية تجري في الشام أو بيروت أو بغداد… الخ، لكنه مكان ذو دلالات تتماهي مع السرد الروائي ومع سيرورة وصيرورة أحداث هذه الرواية، أما زمن الرواية فهو زمن متناسق يسير بشكل عامودي متماسك مع سلسلة الحدث الروائي. الطبيب المغمور يعمل بالاتجار بالأعضاء البشرية يصطاد ضحاياه بطريقة فيها ذكاء خبيث (كان يجيل نظره في الأرجاء المعتمة علّه يبحث عن طريدته بين النادلات، وتعمد كذلك أن يرفع صوته قليلا بدندنته جاعلا الصوت خطّاف الصّنارة والكلمات طعما وشروده الحبل) ص9. وهكذا يبدأ مسلسل اصطياد الضحايا ثم تخديرها والبدء بنزع أعضائها ومن ثم يتم دفنها في حديقة المنزل. يكتب في مذاكراته: (عند السيّر على حافة الموت تستشعر بكلّ عمق كلّ لذّة في الحياة، لكنني لم أكن أسير منفردا إلى الموت، كنت أقود مركبته حاملا إليه الأرواح، النعوش.. بقايا الأجساد.)ص17. تساعد الطبيب المغمور بهذه العمليات امرأة تعشقه لحد الجنون يلقبها بالساعد الأيمن وثلاث صبايا يمارس عليهن كل ديكتاتوريته وقسوته -إحداهن تتحول إلى ضحية- يساعدنه صديقاتها في تقطيع أوصالها والساعد الأيمن التي ومنذ هذا الحدث تتحول إلى امرأة قاسية تنتقم لحبها له طوال سنوات وهو لا يأبه بها ولا بمشاعرها رغم عشقها الكبير له الذي عبرت له أكثر من مرة عن تعلقها به وحبها الجامح له، إلا أنه كان يتجاهلها تماما بل يقسو عليها أكثر فأكثر، فتحقد عليه وتكرهه. وتبدأ بحياكة طريقة للتخلص منه وتعذيبه، انتقاما لحبها ولقلبها الذي انتزعه منها ليس مثلما يستل قلوب ضحاياه، بل بقسوة أكثر إيلاما وأشد قسوة، وعلى وجه الخصوص حين قيد الثلاثة الصبية وقطع أوصالها بعد أن اخذ الكثير من الأعضاء التي يمكن له بيعها مثل القلب والكليتين الخ. دب الرعب فيما بين المرأة التي تحبه ساعده الأيمن، والصبيتين اللتين باتتا يتساءلن متى سيكون دورهما القادم؟ وفي لحظة ما تقرر التخلص منه نهائيا (وفيما كان يغط عميقا في نومه، كانت تقف بجانبه وقد اتخذت قرارها بقتله، وبقي عليها أن تحيك خيوط الحبكة حتى تجعل الفتيات في صفّها) ص80. في اللحظات التي يقرر فيها الطبيب المغمور التوقف عن بيع الأعضاء إلى التجميل (السيلكون.. ربما نصبح أحد أعمدة وادي السيلكون لا تكنولوجيا بل تجميليا!) ص 88. في اللحظة التي يقرر فيها التوقف عن قتل ضحاياه. ساعده الأيمن تقترب من مخدعه وتتخلص منه نهائيا، وتقوم بدفنه في مقبرة الحديقة ليرقد إلى جانب بقايا أشلاء ضحاياه. ثم يتابعن عملهن بالاتجار بالأعضاء البشرية. لكن روحه تتحول إلى شبح، ليستمر بسرد الأحداث، فيما بعد سنجد حضوره في البيت والحديقة ومراقبته لهن أثناء عملهن. (حياة الشبح ممتعة، بل قل إننّي بدأت الاستمتاع بها، الاعتياد عليها.) ص117. وتستمر الأحداث إلى أن تحترق الساعد الأيمن داخل سيارة الطبيب المغمور، ومن خلال هذا الحدث يتم التعرف على المكان واستجواب من تبقى في البيت ونبش مقبرة الحديقة للتعرف على هويات أصحاب الجثث. فيقول الشبح: (بدأت أرى المقبرة من الأعلى وكان المنزل يتضاءل، والبشر والمدينة حتى باتت نقطة سوداء في محيط من نور.)ص 159
أحمد عساف