الجميل والجليل والبطولي في الشعر الأندلسي
ستة دوافع حملت الكاتب “قاسم القحطاني” للذهاب نحو دراسة منهجية، لغوية، فنية، صدرت كتابا عن الهيئة العامة السورية للكتاب-وزارة الثقافة-بعنوان: الجميل والجليل والبطولي في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية”، وتلك النقاط الست التي أوردها الكاتب هي: (الرغبة في خدمة تراثنا العربي/ استنباط القيم الجمالية في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، بعد أن وجد القحطاني أن الشعر في تلك المرحلة، مادة غنية جديرة بالدراسة/الإسهام في تعميق فهم الأدب في تلك المرحلة/ الإسهام في سد ثغرة في الدراسات الأندلسية، واستكمال ما فات الباحثين الوقوف عليه/ رفد المكتبة العربية بدراسة جمالية تطبيقية تُضاف إلى دراسات سابقة في الشعر العربي القديم والحديث المعاصر/ لفت النظر إلى أهمية النقد الجمالي للظاهرة الشعرية الأندلسية).
دوافع تحتاج إلى دراسات وتحليل وقراءة زمنية من بنية الشعر نفسه، حيث يمكن للقارئ أن يرى الأندلس من قراءة بضعة قصائد لشعراء ذاك الزمان، عدا عن كون دراسة القيم الجمالية في الشعر، هي في أساسها دراسة للظواهر الاجتماعية والجمالية والفنية، التي تناولها الشعر أو طرحها في زمن ما، إذ أن القيم الجمالية هي نتاج علاقة الكائن الاجتماعي بالمحيط الذي يعيش فيه ويعايشه، فالاختلاف بين علماء الجمال، مازال قائما وواضحا حول ماهية القيم الجمالية وطبيعة المفهومات الجمالية، لكنهم متفقون على أن الفن بحد ذاته هو نتاج جمالي صادر عن الوعي الجمالي، ومصاغ وفق قوانين الجمال، ولهذا ينهض النقد الجمالي بدراسة السمات التي يتميز الفن فيها بوصفه شكلا مجازيا، كما ينهض بتبيان طبيعة العلاقة القائمة بين الفن والواقع، وبين الفن وأشكال الوعي الاجتماعي الأخرى، ما يعني أن النقد الجمالي لا يهتم بالشكل الفني فحسب، بل يهتم أيضا بالفن بوصفه تملكا جماليا للعالم.
ولعل خير منهج حسب الكاتب، يوضح القيم الجمالية في الشعر الأندلسي، هو المنهج الواقعي الاجتماعي، بعد أن قدر الكاتب أن هذا المنهج هو الأقدر على تبيان الطبيعة الاجتماعية للقيمة الجمالية، وعلى تبيان السمات الجوهرية التي تنظم انعكاس الاجتماعي في الفني، لكن هذا لا يعني أن القيمة الجمالية في القصيدة، لا يمكن أن تتم حسب المدارس النقدية الأخرى، كالرمزية والشكلانية مثلا، بل إن تقديمها ودراستها حسب مفهوم الجمالية في الشعر، يقود لاكتشافات جديدة ربما، خصوصا وأن أغلب الدراسات النقدية التي خاضت في الموضوع نفسه، أيضا أجرت دراساتها وفق المنهج الواقعي الاجتماعي، لأنه الأكثر شيوعا في عالم النقد الأدبي والفني عموما، فكل فن –الشعر فن- قام في زمان ما وجغرافية ما، يدل على طبيعة تلك المرحلة، من خلال ما يتصدى له من مواضيع، أو ما يطرحه من أفكار جديدة، تنحو إلى التوثيق كتضمين خفي في القصيدة أو العمل الفني أيا يكن.
الضرورة البحثية والمنهجية والعلمية، دعت إلى تقسيم هذه الدراسة لثلاثة فصول، انفرد كل فصل منها بالبحث في واحدة من القيم الجمالية الأساسية وتجلياتها في طبيعة الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، وهذه الفصول جاءت على التوالي: *تأسيس نظري لمفهوم الجميل في تاريخ الفكر الجمالي. وما تضمنه هذا الفصل من تفرعات عدة منها: مفهوم الجميل عند الفلاسفة اليونانيين القدماء/مفهوم الجمال عند الفلاسفة الغربيين/ مفهوم الجميل عند العرب المسلمين.
أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان بحثي عريض وهو: “تجليات الجميل في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية” وفيه أيضا عدة تفرعات منها: “جمال الإنسان (المرأة والغلمان”/ جمال الطبيعة الصامتة والصناعية، أما الفصل الثالث فجاء بماهية البطولي في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، وفيه دراسة مفهوم البطولة عند الشعوب البدائية وعند اليونانيين، وهنا نختلف مع الكاتب في ربطه للشعوب البدائية باليونانيين، الذين قطعوا أشواطا بعيدة في الفلسفة الفنية، وغيرها من المذاهب الفلسفية الأخرى، كما يذهب هذا الفصل أيضا للبحث في مفهوم البطولة عند العرب.
ووفق المنهج العلمي الفني الذي اتخذه الكاتب ليكون حمّال الأفكار الجديدة التي سوف يستنبطها من هذه الدراسة، ليقوم بدراسة كل من البيئة الطبيعية والبيئة السياسية، فالفنون تتأثر وتؤثر في بيئتها حسب طبيعة تلك البيئة وحسب الحركة السياسة السائدة فيها.
الكتاب ورغم كونه يسعى لتقديم دراسة جمالية للشعر في عصر معين، إلا أنه أيضا يذهب نحو تصويب العديد من الأفكار المغلوطة التي غُلف فيها ذاك العصر، خصوصا وأنه في المرحلة التي يخوض الكاتب فيها، تم إجراء الكثير من البحوث النقدية المماثلة، وكل دراسة تناولت موضوعاتها من وجهة نظر شخصية، مستنتجة أساسا من الحالة الفنية الطاغية على النتاج الفني في ذاك الوقت، ولا يفوتنا أن نقول إن التناقض في العديد من النقاط الخلافية، كان من العيوب التي حملتها تلك الدراسات كل حسب غاية مقدمها، ما يجعلها نسبية، ولا يمكن البت والقطع فيها من خلال دراسة واحدة، ومن الممكن أن يقوم ناقد ما، من النقاد أصحاب الهمة العالية، في العمل على كافة تلك الدراسات مجتمعة، ليخرج منها وحسب المنهج العلمي أيضا وقوانينه، بوجهة نظر حيادية، تحذف كل ما هو مريب فيها وفي توجهها، حتى ينفصل الشخصاني عن العملي، خصوصا وأن التاريخ لا يكتبه شخص بعينه، والقاعدة العامة في هذا الشأن هي أن التاريخ يكتبه الأقوى، أو المنتصر، وفي هذا حدث ولا حرج عن تزييف للوقائع وحشو في القصائد والتشكيك بالمنظومة الفكرية والسياسية والفنية، التي حملها التاريخ من مرحلة لأخرى، وهي بذلك تكون قد مرت على العديد من المؤرخين، الذين لا ريب، سيقومون بهجر ما يعاكس قناعاتهم، وتفخيم ما يؤيدها، فالتاريخ صناعة ولا بد من التشكيك بجودتها.
عموما الكتاب الذي نحن بصدده، يحمل العديد من الأفكار المهمة التي توصل إليها الكاتب، سواء اتفقنا معه فيها أو اختلفنا، والجهد المبذول في هذه الدراسة، يُخبر عن نفسه في الكتاب، الذي يمكن اعتماد العديد من النقاط التي أضاء عليها، كمرجع للباحثين في شأن الشعر العربي وفنونه.
تمّام علي بركات