دولة القانون
بمناسبة مرور ثمانية أعوام على الأزمة السورية، كتب الصحفي والدبلوماسي الفرنسي المخضرم، ميشيل ريمبو، المختص بشؤون الشرق الأوسط مقالاً تحليلياً مطولاً حمل عنوان “دولة القانون” ونشر على موقع ريزوانترناسيونال.
يقول في هذا المقال: إذا كان هناك حرب بربرية فهي بالتأكيد الحرب السورية، لأن دعاة “العالم المتحضّر” يعرفون ذلك بالتأكيد، فهم ارتكبوا جريمة جماعية بحق الشعب السوري باسم الشرعية الدولية المخبأة في علب الأخلاق الإنسانية من خلال وسائل إعلام مضللة وخداع فكري غير مسبوق.
واليقين بأن الغرب هو الإنسانية الوحيدة، متأصل إلى درجة أن رجال ونساء الشارع كما “النخب” لا يرون خبثاً فيما يفعله قادتهم. وهنا تفرض دولة القانون على “الرجل الأبيض” عبئاً يكون من الظلم عدم العثور على ظروف مخففة لهذه الشخصية الأنيقة غير الشريفة، ويكفي أن نرى وجوههم تغمرها بؤس العالم، وسخطهم على الدول “الفاشلة” التي يضطر العالم المتحضر إلى قصفها ومعاقبتها، في مواجهة وقاحة الفقر.
في هذه المرحلة، ربما يكون هناك قلق من يأس أتباع القانون، أولئك الذين يؤمنون بالدبلوماسية ويكرمون شرعية الأمم المتحدة.. بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أنه لأمر طبيعي أن تمارس الهيمنة لفترة طويلة على العالم، فمن المنطقي السعي لفرضها الأسماء والمعايير. وهكذا تم تعريف الدولة “الخارجة عن القانون” من قبل أيديولوجيين مستوحاة من مسيحية المحافظين الجدد.
وهكذا في سورية، قام الغربيون، والقوى النووية، التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل، بدفن الناس تحت أطنان من العقوبات السادية وأسلحة الدمار الشامل بامتياز. لقد قاموا بدعم وتسليح وتمويل وحماية مئات الجماعات الإرهابية بما في ذلك “داعش” و”القاعدة”.
هذه الدول هي من تنتهك القانون الدولي لمجرد وجودها العسكري دون موافقة الحكومة القانونية،وفي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة باحتلالها غير القانوني. البعض مثل أردوغان لديه مطالبات بالأراضي أو إعادة استعمار دون إثارة غضب “حراس القانون”، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الحلفاء لأنقرة بنعمة حلف الناتو.
لا تتوافق الحقائق بشكل جيد مع البيانات الموجزة، وينطبق الشيء نفسه على تلك المقبولة على نطاق واسع، والتي من شأنها أن تقلص الصراع في سورية إلى حرب ضد الإرهاب، والتي يتم استيعابها في محاربة “داعش”. لكن، من وجهة نظر دمشق، لن تنتهي هذه الحرب مع الاختفاء الوحيد لـ “داعش” ففي إدلب وعلى الضفة الشرقية من الفرات أو على الجانب الأمريكي من التنف، لا يزال هناك الآلاف من الإرهابيين الذين يتم تقديمهم على أنهم معارضون “معتدلون” أو “متمردون مسلحون” بينما تمّ تغيير الاسم من أجل الهروب من قرارات الأمم المتحدة.
سورية التي كانت “تنزف ببطء حتى الموت”، تعرّضت لأضرار كبيرة ، لكنها قاومت بشجاعة بمساعدة حلفاء أقوياء، لكن السيد الأمريكي يمنع عودتها إلى الحياة عن طريق خنقها بالأسلحة التي يحبها السيد كثيراً وهي العقوبات والحصار والحظر. وهنا تُظهر أمريكا، الزعيمة الروحية لجميع المجرمين المتطرفين في لباس القتال أو ربطة عنق، خيالاً غامراً يوضح قيادتها الأخلاقية والثقافية، في حين أن الاتحاد الأوروبي يتبعها لدرجة العبودية.
العقوبات تطال جميع المجالات بما في ذلك العقوبات البعيدة. ولمدة ثماني سنوات، تتبع “قطارات” التدابير العقابية بعضها البعض بوتيرة محمومة، وآخرها قانون “قيصر”، الذي صوّت عليه الكونغرس، ويمتد إلى جميع القطاعات، ويؤثّر ليس فقط على الشركات أو البنوك، ولكن الآن على الدولة والأفراد. وهدفه تجفيف الدوائر المالية السورية لحظر أي إعادة إعمار، بمعنى آخر خنق الشعب السوري. وفي الوقت نفسه، تتعرّض البلدان المجاورة المضيفة للاجئين لضغوط شديدة لمنع عودة هؤلاء اللاجئين إلى سورية.
أخيراً، يتساءل الكاتب عن مصير الإرهابيين الفرنسيين الذين انضموا إلى صفوف “داعش”، عند عودتهم إلى فرنسا قائلاً: “إن الجدل الوطني يشتعل عندما يتعلق الأمر بعودة ومحاكمة الإرهابيين الفرنسيين الذين ذهبوا إلى “الجهاد”، وما هو الخطر الذي سيمثله هؤلاء الأفراد عند عودتهم؟ لكن السؤال الأهم في هذه الظروف هو كيف تأمل فرنسا بموطئ قدم في سورية وهي التي ساعدت على تدميرها؟”.
وفقاً للخبراء، انتهت الحرب ولكن هذا الكم الهائل من الأكاذيب كيف يمكن تسويته؟ فالغرب يتحمّل كامل المسؤولية عن هذه المأساة، ويبدو أنه يذهب في عملية هروب للأمام في تجاهل تام للقانون. في الذكرى الثامنة للحرب، يبدو القادة الفرنسيون متعطشين للانتقام بل وعاقدين العزم على تحديد مستقبل سورية، التي لن يكون لهم فيها أي موطئ قدم، يقول ريمبو.
هيفاء علي