مزمار ترامب لا يطرب أوروبا
اعتراف ترامب الغبي بضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الصهيوني أشعل العالم عموماً، ووحّد الفرقاء الذين لم يتفقوا منذ زمن على رفض تخريفه، وخاصة الدول الأوروبية الغارقة في الضياع السياسي. منذ أمد وجدت الفرصة مناسبة جداً لتعبّر عن نفسها بإطلاق مواقف توحي بأن صحوتها قد بدأت، وصرخة الرئيس النمساوي الذي قال: “كفانا رقصاً على مزمار ترامب” هي التعبير الأوضح عن تبرم قادة القارة العجوز من جنون الرئيس الأمريكي، وهي مؤشر انطلاقة مختلفة لفهم مشاكل العالم بمنظار جديد في إطار رؤية بعيدة المدى تضع مصلحة شعوبهم في الأولويات بعيداً عن ألاعيب وهرطقات الساسة الأمريكيين الذين ملأوا الكون خبثاً وقذارة لإرضاء اللوبي الصهيوني المهيمن على أبناء العم سام ومقدراتهم وسياستهم الدولية.
التحدي المباشر أمام الدول الأوروبية، هو تحدٍ أخلاقي لأنهم يعرفون تماماً ما اقترفته أيديهم بحق الشعب العربي، وبالأخص جرائمهم التي لا تنسى في حقبة الاستعمار الكولونيالي على مدى القرنين الماضيين، فقتل الملايين وسجنهم وسرقة ثرواتهم واحتلال أرضهم، كابوس جاثم على صدورهم، ليس سهلاً عليهم التخلص منه إلا باستيقاظ ضمائرهم المتحجرة، والعودة إلى الاعتراف بالحق، ومساعدة هذه الشعوب مادياً ومعنوياً بمد يد العون لها لإجراء قفزة زمنية تجسر الهوة الحضارية بين غرب المتوسط وشرقه، فتتوقف عندها الهجرة غير الشرعية، ويستقر الناس في مواطنهم، وينتهي التجييش العنصري، وتستقيم العلاقة بين الغرب والشرق من الكراهية والعداء إلى الصداقة والتعاون، وبذلك تستفيد كافة الأطراف، بل قد تكون أوروبا أكثر ربحاً في هذه العلاقة، لأنها ستكون أكثر استقراراً وأمناً.
من الواضح أن أوروبا بدأت تعي خطورة السياسة الأمريكية عليها، فهي بحكم الجغرافيا والتاريخ أقرب إلى الشرق، وبركانه القابل للانفجار في أي لحظة، وهي تعي جيداً بحكم خبرتها بالمنطقة وسكانها، أن الحال لن يستمر طويلاً على ما هو عليه.
فما أراده ترامب الغارق في مشاكله الداخلية حتى مع أقرب المقربين إليه شديد الوضوح، وهو الهروب إلى الأمام بتصدير أزمته إلى العالم، فقام بتجنيد نفسه طواعية في حملة نتنياهو، وقدّم له هديته الانتخابية عله يرد له الدين بعد عامين عندما يحين دوره في مواجهة الجمهور الأمريكي.
أوروبا بدأ ضميرها يستيقظ ليس بصحوة أخلاقية، بل الواقعية السياسية التي بدأت تفرض نفسها نتيجة ارتداد دعمهم للإرهاب عليهم وعدم مقدرتهم على السيطرة على من عاد من المجرمين، فرض بقوة العمل على تخفيض حدة التوتر مع المشرق العربي حتى لا يستمر العداء قرناً آخر بعد أن كرر ترامب جريمة بلفور، فمن لا يملك أعطى من لا يستحق من جديد!.
صالح صالح