اعتراف ترامب.. لماذا الآن؟

لا يكاد يختلف اثنان على أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان جاء في توقيت مريب للغاية، وذلك بالتزامن مع ذكرى بداية الحرب الكونية على سورية، حيث إن بنيامين نتنياهو صرّح في مؤتمر آيباك، المنعقد في آذار من ذلك العام أمام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بضرورة الاعتراف بـ”يهودية إسرائيل”، أي بنسف أي وجود فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية.
والآن ورغم انقضاء العام الثامن على هذه الحرب الكونية، لم يتمكّن الحلف المكوّن من أكثر من ثمانين دولة من إخضاع سورية وإجبارها على الاستسلام، فالجيش السوري الذي أريد تدميره عاد أقوى من السابق، ومحور المقاومة بالكامل الذي أريد إضعافه والقضاء عليه تحوّل إلى خطر وجودي على الكيان الصهيوني، الذي جرت رياح مؤامراته في سورية بما لا تشتهيه سفنه، حيث استطاعت الدولة السورية أن تخرج من الرماد قوية منتصرة، يرى ترامب والصهاينة الأمريكيون أنه لا ينبغي تمكين هذه الدولة من حصاد نتائج انتصاراتها الاستراتيجية على رعاة هذه الحرب الشاملة الحقيقيين، وبالتالي لا بدّ من إيجاد شيء من عوامل الفرملة التي تمنعها من تحقيق ذلك.
وهنا نستطيع أن نلحظ أن التردّد الأمريكي بين الانسحاب من الأراضي السورية وعدمه، يعود إلى عدّة أسباب أهمها خوف “إسرائيل” من عواقب تحرير سورية بقية الأراضي الواقعة تحت الاحتلال على اختلاف نوع المحتل، حيث من الطبيعي أن تتفرّغ بالمحصلة للاحتلال الصهيوني للجولان،
وإذا علمنا أن الوجود الصهيوني في مرتفعات الجولان السورية هو أمر واقع بحكم كونها محتلة وخاضعة لقرارات دولية تنصّ على ذلك، فإن تصريح ترامب حول سيادة “إسرائيل” على هذه المنطقة لا يقدّم ولا يؤخر، لأن هذا التصريح لا يستطيع أن يمنع عودتها عبر المقاومة والكفاح المسلّح أو حتى عبر الحرب المباشرة، ولكن الأمريكي يحاول مقايضة موافقة الحكومة السورية على التفاوض على إنهاء الأزمة في سورية وفرض تسوية سياسية تأخذ بالاعتبار مصالح إسرائيل وأمريكا من خلال استخدام ورقة الاعتراف الأمريكي بالجولان، وهو يعتبر فعلياً جميع القضايا العالقة على الأرض السورية جزءاً من صفقته التي أطلق عليها “صفقة القرن”، التي هي بالنتيجة ترمي إلى إجبار كل الأطراف على الاعتراف بـ”إسرائيل” كياناً طبيعياً، وهو مربط الفرس، وبالتالي يحاول أن يجعل من سحب اعترافه بسيادة “إسرائيل” على الجولان ثمناً لموافقة سورية على ما يعتبره خطة الحل الشامل التي عنوانها أولاً وأخيراً ضمان وجود “إسرائيل” بعد أن ازدادت المخاطر الوجودية حولها.
طلال الزعبي