لا يساوي ثمن حبره
ربما كان قرار ترامب حول الجولان، أوضح صورة عن حقيقة أمريكا في تعاملها مع قضايانا عندما يتعلّق الأمر بـ “إسرائيل”، وما يميّز الرئيس الأمريكي الحالي عن أسلافه أنه يتصرّف بوضوح تام دون أدنى مراعاة للمواثيق والأعراف الدولية والقرارات الأممية، ولا يهمه إن كانت قراراته ستؤدي إلى هزيمة جديدة لبلاده، وهذا ما سيحدث، طالما أن قراره مبني على باطل ولا يعكس أي حقيقة على الأرض، سواء للدولة السورية أم لأهلنا المتشبثين بأرضهم والمتسلحين بانتمائهم الوطني، والذين أحبطوا على مدار أكثر من خمسين عاماً كل محاولات التهويد، واستطاعوا أن يحافظوا على الهوية العربية الأصيلة، ويتمسكون بحق العودة إلى الوطن الأم، رغم ما قدّم لهم من مغريات وتهديدات.
ذلك يجعلنا مطمئنين بأن الجولان عائد لا محالة، وأنه لا يمكن لأحد أن يغيّر في هذه الحقيقة شيئاً، وأن قرار ترامب وتوقيعه الإشكالي، الذي تباهى به أمام نتنياهو، لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، بل أن تصرفه الأرعن أعطى الحق الكامل للسوريين أمام المجتمع الدولي باستخدام كل الوسائل لاستعادة الحقوق، بعد أن ثبت للقاصي والداني أن رعاية أمريكا لعملية السلام كانت كذبة كبرى حاولت من خلالها الإدارات المتعاقبة حصر الخيارات بالتفاوض لمجرد التفاوض، وليس للتوصل إلى تسوية تعود بموجبها الحقوق كاملة إلى أصحابها الشرعيين.
ما يعني أن خياراتنا اليوم أصبحت واضحة بمخاطبة كيان العدو باللغة التي لا يفهم غيرها، والمتمثّلة بالقوة والمواجهة المباشرة، وهو الخيار الذي أعدّت له سورية منذ احتلال الجولان، وكان قبولها بالتفاوض في تسعينيات القرن الماضي بمثابة بادرة حسن نية واختبار للإرادة الدولية ومدى قدرتها على التأثير في حل القضية بالطرق السلمية، لكن ما ثبت على أرض الواقع منذ ذلك الحين وحتى الآن أن الغرب كان منساقاً وراء إرادة قادة كيان الاحتلال، التي عبّر عنها اسحاق شامير إبان مؤتمر مدريد بالقول: ” سأجعل المفاوضات تمتد قرناً من الزمن”.
واليوم بات واضحاً تماماً لماذا وضعت واشنطن والكيان الصهيوني ومعهم بعض الدول الأوروبية والرجعية العربية كل ثقلها في الحرب على سورية، وروّجوا منذ بداية الحرب لمشروع تقسيمي تفتيتي، واستهدفوا أولاً الدفاعات الجوية السورية، وحاولوا تشكيل جيوش من المرتزقة لضمان أمن “إسرائيل”. الإجابة قدّمها ترامب في خطوته التي جاءت في سياقها الطبيعي بعد هزيمة الإرهاب في الجنوب السوري، وكسر دفاعاتنا الجوية أسطورة تفوق سلاح الجو الإسرائيلي بإفشالها كل الاعتداءات ومنعها من تحقيق أي من أهدافها سواء لجهة نجدة المرتزقة، أو التأثير على القدرات العسكرية السورية التي أصبحت اليوم أكثر قدرة وكفاءة.
يمكن القول: إن سورية التي لم تعول يوماً على دور أمريكي إيجابي في كل ما يتعلق بعملية السلام لم تفاجأ بقرار ترامب، ولا يمكن بأي حال أن يثنيها عن استخدام كل الوسائل المتاحة لاسترجاع أرضها المغتصبة، فسورية لم تهادن ولم تساوم يوماً، والجيش، الذي انتصر في حربه على الإرهاب، والشعب، الذي صمد وتحمل العقوبات الظالمة وهبّ في كل بقعة من أرض الوطن ليعبر عن رفضه لقرار الرئيس الأمريكي وأكد استعداده لتقديم مزيد من التضحيات لاستعادة الجولان، هم بالمجمل قادرون على استعادة الجولان.. فالمدافع عن الحق حتماً هو المنتصر.
عماد سالم