“كاتب وموقف” تحتفي بالشاعر ثائر زين الدين
لم تتخذ الندوة الشعرية النقدية للشاعر د. ثائر زين الدين صفة السردية التقليدية، إذ حظيت بأجواء حيوية شائقة من خلال حوارية شعرية نقدية بين زين الدين والإعلامي عبد الرحمن الحلبي معدّ ومدير الندوة، ومن ثم بمشاركة الشعراء وأساتذة اللغة، ففتحت السمات والخصائص الشعرية لزين الدين مداخل للتطرق إلى المقابلات الشعرية واستحضار صور من الأدباء الغربيين، لاسيما الأدب الروسي الذي ترجم عنه زين الدين، وذلك في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- لتأتي هذه الندوة التي أقيمت بالتعاون بين الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة الثقافة ضمن أيام مهرجان دمشق الثقافي.
الأساليب الإنشائية
ومضت الندوة بالدمج بين القراءات الشعرية من مجموعات د. زين الدين والتوقف عند الآراء النقدية، وقد استهل الحلبي الندوة بالتركيز على خاصية قصيدة زين الدين التي تركت بصمة بالشعر العربي المعاصر، وطلب منه قراءة قصيدة”لا دمع يا أبتي” التي تميزت ببدايتها باستخدام الشاعر أسلوب النداء” يا شجرة الزيتون، كيف تركته يمضي؟ فمن النداء والاستفسار بالتساؤلات إلى التمني بقوله”لو أوقفته جذوعك السمراء، لو حاطته بالأوراق والأغصان” لينهي قصيدته بأسلوب النهي”لاتبتعد”.
توظيف التناص
واستحضر الحلبي ما كتبه د. خليل موسى عن زين الدين بأنه جمع بشعره بين معطيات العهد القديم والجديد، فبيّن زين الدين بأن أي شاعر في أي مكان لابد من أن يقرأ القرآن الكريم والإنجيل بعهديه القديم والجديد، ليس للمعطيات الدينية فقط وإنما لهذه الروح الأولى للطفولة البشرية، فعبْر التاريخ استلهم الشعراء من الكتب المقدسة بتناصات وظّفوها ببراعة.
ثم تابع الحلبي عن علاقة زين الدين بالتشكيل والشعر، والتشكيل والرواية؟ فتحدث زين الدين عن كتابه” ضوء المصباح الوحشي” المستلهم من لوحة الإعدام لغويا التي تظهر ضوء المصباح على جسد شاب يرتدي قميصه الأبيض، وخلفه الجثث ملقاة، مبيّناً بأنه تبنى العلاقة بين الشعر والتشكيل فقط وليس بصورة عكسية، موضحاً التأثير الأبسط للتصوير والنحت مثل شاعر ينظر إلى تمثال عشتار فيستلهم قصيدة، ليعود إلى تاريخ الشعر العربي كالمتنبي والبحتري وتأثرهما بالتشكيل إلى عمر بن أبي ريشة والنواب، ليتوقف عند محمود درويش وتجربته اللونية في قصيدة”الشتاء الطويل” لنقرأ تحولات فنان يبحر بعالم الألوان.
وتم الحديث عن كتاب د.زين الدين” تحولات شجرة الزيزفون الضائعة” وتضمن اثنتي عشرة رواية استلهم كتابها موضوعاتها في بناء العمل الروائي من اللوحات، منها رواية امتداح الخالة ماريو لبارغاس يوستا الذي استلهم من سبع لوحات روايته وجعل كل لوحة في فصل.
وكان لتجربة زين الدين بالدراسة بالاتحاد السوفييتي دور بتأثره بالفنّ التشكيلي الموجود بكل الأماكن والمؤسسات، وأضاف بأن زيارته للمتاحف في مدن عدة زادت من تأثره بالفنّ التشكيلي، ليتوقف معه الحلبي عند القصيدة التي تتصف بالصراع الدرامي بصوت أنثى تصوّر المشهد السينمائي لمن تحب مع أنثى لعوب، وبدا جمال القصيدة السينمائية بقفلتها المدهشة ولحظة الانسحاب بقوة الحبّ” لم تكن وحدك بالمعرض، لكن كنتُ وحدي” والتي أغرقت بجمالية البوح الداخلي.
ومن محطات الندوة الحداثة الشعرية وميزة التناص الديني فقرأ زين الدين قصيدة” الهواجس الأخيرة للملك داود من مجموعة أناشيد السفر المنسي” دثروني هذه العذراء، لم تدفئ عظامي، لم تخمد ظنوني” ليعود إلى التساؤلات” من أين تمر الريح، من أين يجيء البرد؟” والاستلهام من قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وداود عليه السلام، وتوظيف التناص بلغة مطواعة.
طاقات القصيدة العربية
ولم تخل الندوة من الآراء النقدية التي مازالت موضع إشكالية بالمشهد الشعري، لاسيما ما يطال قصيدة النثر، فبرأي زين الدين بأن قصيدة التفعيلة تستشف طاقات القصيدة العربية كلها، في حين تغفل قصيدة النثر بعض هذه الطاقات وربما تعتمد على طاقات أخرى.
وحفلت الندوة بآراء ومداخلات كثيرة، منها إشادة الأديب بيان الصفدي بقصيدة زين الدين المستلهمة من الموسيقا والتصوير لتأتي بشكل معزوفة شعرية، بعيداً عن قصيدة النثر، فامتازت قصيدته بإيقاعات القوافي بالبناء الموسيقي العذب، مع مفردات الحياة وسط العذوبة والبساطة، لتنقل المشهد الاعتيادي إلى خيال أسطوري لتبدو تمثيلية شعرية.أما د. عبد الكريم حسين فتحدث عن صفاء اللغة وقدرته على نقل المشهد متوقفاً عند خاصية التناص الديني.
ورأى رائد حامد أن من السمات الشعرية لزين الدين الانسجام المحكم بين الفكرة والمفردة، ونهله من الموروث الصوفي، وتحدث الأرقم الزعبي عن استنطاق النص التوراتي بشكل عميق وتفكيك أبعاده مما يدل على قدرته على استلهام نص فلسفي جديد للتناص الديني من الكتب المقدسة.
وتوقف الشاعر أمير سماوي عند خاصية وحدة حكائية الموضوع في قصيدة زين الدين مبيّناً انصهار العاطفة بالفكرة، إلا أنه وجه ملاحظة إقحام المفردة دون مسوغ أحياناً، ويعزو ذلك إلى ضرورة القافية كتكرار مفردة “هيف”، ثم تحدث د. محمد شفيق البيطار عن أناقة اللغة والأسلوب بقصيدة زين الدين، وعن الموسيقا الداخلية والخارجية فيها.
ملده شويكاني