ثقافةصحيفة البعث

“أولها المدى وآخرها الأبد..” في شآم وقلم

 

الموسيقى لغة التواصل العالمية الأولى والوحيدة التي توحد العالم، هي لغة تخاطب الشعور مع الوجدان وحلقة الربط بين الروح والإحساس، كما استطاعت خلق جو من الحميمية في لقاء “شآم والقلم” الشهري الذي جاء بعنوان “أولها المدى وآخرها الأبد”. فلم تكن جلسة مثل باقي الندوات ولم يكن النشيد العربي السوري يصدح عبر مكبرات الصوت وإنما عُزف -وللمرة الأولى- من قبل عازف القانون الشاب حكم الخالد، ونقلتنا المغنية هبا فاهمة بعذوبة صوتها وإحساسها المرهف إلى عوالم خفية ممتعة.

فرقة آلية

وعن صدى الأنوثة على الموسيقى تحدثت بداية عازفة القانون ديمة موازيني عن فرقة “تخت شرقي النسائي” الذي ترك بصمة مميزة، فقالت:

الفكرة المأخوذة في أوروبا عن المرأة الشرقية أنها منغلقة، ونحن كفرقة “تخت شرقي” كنا مثالاً حقيقياً عن المرأة العربية التي تعزف الموسيقى بطريقة راقية وتملك ثقافة، والحفلات كانت بمثابة شيء ملموس ومحسوس ومسموع أمامهم وله أثر كبير، والخط الذي نعتمده كفرقة نسائية أننا ذهبنا نحو الأصعب حتى بطريقة انتقاء البرنامج، ونصنف كفرقة آلية غنائية تحمل تفاصيل أكثر رغم قلة العدد، إلا أن تفاصيله تكون محترفة وواضحة، أما في الفرق الغنائية الأخرى فيكون نصف الجهد على المغني، وقد اخترنا في القوالب أن يكون القانون والعود مسموعاً واللونغات لإحياء التراث العربي والشرقي.

وعن اختيار الأغاني قالت موازيني: نحن نعزف الأغاني الأعمق وغير المتداولة وعدنا للأقدم، للتحدي، لأننا نريد الصعب وليس السهل. في الغناء لم نختر الأغاني المعروفة إذ اخترنا مثلا “من أجل عينيك” للسنباطي، مقدمتها موسيقية عملياً وآلية لمدة خمس دقائق، وكل عازف في الفرقة يعمل صولو، أي أن فيها كثافة لحنية، والانتقاءات غالباً تكون غير مسموعة ليستطيع الجيل الجديد التعرّف عليها، فالبعض يقول أن الجيل الجديد لا يسمع، والحقيقة أنه لم يقدم له شيئاً ليسمعه، وعندما سمع أسمهان وغيرها أحب الأغاني وفي كل حفل يحضرون، وعندما نسمعهم يحبون ويتذوقون ويطلبونه مرة أخرى.

وعن صدى الحفلات في أوروبا أضافت: المتلقي هناك لديه فكرة مسبقة ونحن استطعنا تغييره ونجحنا، فالأوروبي يستمع إلى موسيقانا ويكتشف أن المقامات مختلفة، والأداء في كل آلة يفهمها لأن لديه ثقافة الآلات الموسيقية ويعرف صعوبة كل آلة والجهد المبذول حتى تصل إلى كل جمهور، أما الجمهور العربي فمعظمهم من المغتربين السوريين لذلك كنا نصر على وجود شيء من التراث السوري والمؤلفين السوريين.

الكلمة

وتحت عنوان “الشعر واللحن.. نبض وقلب” قال المايسترو حسام الدين  بريمو: “الغناء، القصيدة، الشعر” هم جوهر الموسيقى بالشرق، وهذا لم يأت من عدم بل أتى من أننا أمة عاشقة وذواقة للشعر الذي عشقناه قبل الموسيقى، فنبض الموسيقى عندنا هو نبض الشعر، ونحن حاكينا نبض قلبنا بنبض كلمتنا، واللغة العربية حملت نبضات شعرية وموسيقية تغني قلب الناطق قبل السامع، إذ أتت اللغة العربية وريثة للغات قبلها مثل الآرامية والسريانية آشورية كنعانية موسيقاها أقل بريقاً من اللغة العربية التي تحتوي تنويعاً نبضياً وموسيقياً قبل التنويع في المعنى ما يصيبنا بالطرب دون فهم كلمات القصيدة، لأن هناك هوة واسعة بين اللغة الصحفية واللغة العربية التي ورثناها منذ آلاف السنين نستوعب موسيقاها قبل معناها، ونحن دون تعانق الموسيقى المركبة مع كلمات الأغنية يبقى الشعور بها منقوصاً.

عدوى حميدة

وأضاف مايسترو جوقة لونا: سبب قلة بريق الموسيقى يعود لسببين: الأول هو انقطاع سماع الموسيقى الصرفة مدة طويلة وهذا مقصود من الطامعين الذين احتلوا أرضنا، أما الثاني فهو أننا أبناء الشعر وارتباطنا بالكلمة يسبق ارتباطنا بالموسيقى، فنحن أبناء الكلمة المنطوقة.

وعن الفرق الموسيقية التي يقودها للأطفال قال صاحب فرقة لونا: بدأت بالمشروع لأني أحبه ثم بدأت اكتشاف أشياء لم أكن اعرفها لأن طفولتنا غير طفولة الأجيال الحالية، هذه التجربة الصغيرة ستعيد جزءاً صغيراً من الأمة إلى موسيقاهم، لأن أطفالنا اليوم يشبهون غيرهم لذلك يجب استدراك الأمر كي لا نخسرهم، الفضاء مفتوح لغيرنا ليسيطروا علينا لذلك يجب أن نلعب دورنا لفتح فضاء مسؤول واعٍ لحساسية المرحلة وخطر ضياع الجيل، نحن لم تخيفنا العولمة يوماً، واليوم يجب ألا نخاف منها بل علينا تأسيس فضاء معاكس مداو ومضاد، ونحن قادرون إذا أردنا.

دمار معنوي

الطفل أقل مقدرة على المراوغة لذلك قابلية تصديقه أهم، ووجود ستين طفلاً يغنون  مقام “الصبا” يعطون إيحاء بأن كل الشعب السوري يغني هذا المقام، وكلما كان العدد أكبر كلما زاد التصديق أكثر. وبرامج أغاني الأطفال مثل “ذا فويس كيدز” تدس السم في الدسم، وللأسف لا يوجد وعي لدينا، بعد خروج 13 طفلاً من البرنامج قرروا الاهتمام بهم أنا كنت مع الاهتمام بـ13 ألف طفل ولم يوافني أحد، لقد بلعنا الطعم هناك أطفال كثر لا أحد يعرفهم لأن ليس لديهم “أم بي سي” ويجب تحرك الجميع حتى نقول لدينا 13 ألف طفل وليس التعامل مع القضية وكأننا نعمل لدى القناة، الأهل يريدون إرسال أطفالهم إلى البرامج لتحقيق الشهرة والمال، هناك أطفال يغارون لأن أهلهم لا يرسلونهم، وهذا يدمرهم معنوياً.

جمان بركات