إنه زمن الصين
في 23 آذار من هذا العام، وقّع الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مذكرة فتحت أبواب إيطاليا، وقلب أوروبا الغربية، أمام المشروع الجيواستراتيجي الضخم لطريق الحرير الجديد الذي اقترحته بكين.
تعد هذه الخطوة الاستراتيجية إحياءً لعصر ذروة التبادلات بين آسيا وأوروبا وحتى إفريقيا، كما كان منذ سبعة قرون، إذ تعتبر هذه الخطوة “خطة مارشال الصينية” للقرن الحادي والعشرين، لأن خصائص السياق الذي أطلقت فيه، وحجم رأس المال المعني ونطاقها الطموح يجعلها لا تضاهى. لقد ربطت الطرق المختلفة القارات الثلاث لقرون بطريق الحرير القديم، وكانت آسيا أهم السيناريوهات الجيوسياسية في العالم، وكانت الصين الفاعل الرئيسي فيها.
مرّت أكثر من سبعة قرون منذ أن بدأ تاجر البندقية ماركو بولو رحلته إلى الصين في كوبلاي خان، وقد فوجئ بعجائبها، وفي ذلك الوقت كانت الهند والصين تفوقان كثيراً في الثروة والسكان والقوة والتكنولوجيا أية دولة أوروبية. كان الامبراطور الصيني ينتمي إلى أسرة يوان، ذات الأصل المنغولي، وهو نفس النسب الذي ينتمي إليه جنكيز خان، لكن الغزاة استوعبوا ثقافة رعاياهم، وهو درس تاريخي مهم، كان ينبغي على البعض التفكير فيه عندما اعتقدوا أن الصين سوف تكون غربية، لكن هذه المقارنات التاريخية ليست واقعية، فخريطة الامبراطورية المنغولية في ذروتها تشبه إلى حد بعيد خريطة منظمة شنغهاي للتعاون، التي تشكّل محور التعاون الروسي- الصيني والأوروبي- الآسيوي.
يذكرنا بعض من هذه القوى التي تشكّل في الوقت الحاضر أقطاباً جديدة للقوة على رقعة الشطرنج الدولية، وهذه الأقطاب التي تطفو على السطح هي بلدان كانت موطناً لامبراطوريات تاريخية مثل تركيا وإيران والهند والصين وروسيا، بوصفها ورثة لذلك الإرث بقوة التاريخ.
خلال ذروة قوة أسرة مينغ في القرن الخامس عشر، قام الأدميرال تسنغ برحلاته إلى إفريقيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي بأكبر الأساطيل ضخامة في العالم في ذلك الوقت، ولأسباب مختلفة، أحياناً خارجية، مثل الحملات العسكرية الفاشلة، فإن التهديد المستمر بالغزوات، والقضايا الداخلية الأخرى، مثل الميل نحو العزلة، أوقفت تقدّم الصين نحو حدود وآفاق جديدة، لتأتي أوروبا لملء ذاك الفراغ، وتم إنشاء في القرون اللاحقة نظاماً عالمياً أطلسياً جعل آسيا قارة مهملة، بل تم تحويلها إلى رقعة شطرنج تعارض القوى الأوروبية مصالحها.
انقلبت الأمور في القرن الحادي والعشرين، وشهدت قارة آسيا نهضة حقيقية من جديد. إنها رياح جديدة تهب اليوم في العالم بعد انهيار النظام الدولي، ودخول الصين كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية. لذلك يشعر الصينيون أن هذا هو زمنهم الآن.
عناية ناصر