الشهداء وتآخٍ بالدم والحبر
د. صابر فلحوط
يشكّل عيد الصحافة العربية، الذي حدده الاتحاد العام للصحفيين العرب، غداة إعلان إشهار هذا الاتحاد، قبل أكثر من نصف قرن، محطة تاريخية ساطعة على صعيد التلازم، بل التلاحم والتآخي التاريخي بين بندقية المقاتل في جبهات الكرامة الوطنية، وقلم الصحفي الشريف في ساحات الوعي والفكر والرأي العام في المجتمع.
وقد تلاقحت المصادفات وتلاقت غداة كان معظم شهداء السادس من أيار 1916 الذين ارتقوا إلى “فوق الفوق” من حملة القلم الثوري والفكر التنويري والإيمان المتصاعد والمجدد بالقومية العربية، سبيل الأمة إلى المنعة، ومواكبة العصر، واجتراح معجزات الصمود، ومواجهة الأحداث والتحديات.
وقد جاءت الحرب الكونية على سورية العربية لتؤكد أهمية هذا التحالف المقدّس بين الصحفي الذي يحتفل اليوم بعيد الصحافة العربية، والمناضل الوطني الذي يمتشق دمه، على مدار الساعة، تضحية وفداء وبذلاً وعطاء عزّ نظيره.
وهنا لابد من الإشارة إلى الدور المفتاحي للصحفي الوطني والعروبي الذي كرّس قلمه وألمه وهمه واهتمامه لإيقاظ النيام على فراش استسهال الرسالة الإعلامية الرسولية، والتهوين من مسؤولياته الجسام في تكامل النضال في معركتي الدم والحبر في ميدان بناء الوطن، وحمايته من العدو الصهيوني الامبريالي الرجعي من جهة، ومن حبائل جذبه إلى السلفية والظلامية التي تتعارض، بل تتصادم، مع السلف الذي نعتز به، ونشمخ بما أنجز من قيم خالدة ومآثر مشرّفة على صعيد الروح، والسمو بها والتي يتواتر إشعاعها الهادي كلما تقادم الزمن.
وبصرف النظر عن بعض مجاميع المرتزقة من الذين سقطوا في امتحان المهنة وشرفها في الساحة الإعلامية، حيث أوغلوا في تأجير أقلامهم، كما ضمائرهم للدولار، فكانوا الدخان، بل العماء للأبصار، بدلاً من أن يكونوا الكحل للعيون الظماء لنور المعرفة وجوهر الحقيقة!!.
وقد كان شهداء السادس من أيار الجبهة الأصلب في مواجهة الاستعمار العثماني الذي أناخ على صدر شعبنا العربية أربعة قرون بكوارثها، ومواجعها، وفواجعها وتخلفها، كما ضرب هؤلاء الشهداء الأبطال المثل الأروع بدمهم الطهور في وحدة الموقف الكفاحي في الدار العربية الواحدة، حيث صعدت أرواحهم في لحظة واحدة في ساحتي “البرج” في بيروت، و”المرجة” في دمشق، مؤكدين للأجيال أن دار العروبة واحدة، وإن أمعن المستعمرون والغزاة فيها إقامة الجدران والحواجز والفواصل والحدود التي يتاجر فيها نواطير النفط خدمة لأسيادهم في الغرب الاستعماري وأمريكا المتصهينة.
وكأني بهذا “الشهر”، أيار الانتصار والازهار، والبطولات في الجنوب اللبناني بالأمس، وفي سورية العربية طوال الحرب الوطنية العظمى، يرفض إلّا أن يتعانق مع الطبقة العاملة في سورية العربية التي أبدعت معجزة الصمود في المجتمع الذي تكلل بالانتصارات الباهرة، وأرسى نظرية جديدة في تاريخ النضال العالمي، وهي أن قوة الشعوب لا تقاس بأحجامها الديموغرافية والجغرافية، وإنما بإرادة أبنائها في الاستعداد للتضحية من أجل قيم يؤمنون بها، وعقيدة قومية يرضعونها من أثداء أمهاتهم لحظة الميلاد.
فللشرفاء من الصحفيين العرب الذين مازالوا قابضين على جمر القضية المركزية “فلسطين” كل التقدير والاحترام والإسناد، ولشهدائهم، شهدائنا الذين تقدموا الصفوف في الحرب الوطنية العظمى في سورية المنتصرة كل الإعجاب والإكبار.
ولشهداء أيار المدرسة الأقدم والأعرق بين مدارس الأمة الجهادية على مر تاريخها المشرّف والمشرق كل الإعزاز والتمجيد.
ولإخوتنا في الطبقة العاملة، شهداء بررة ومناضلين أشداء، ومبدعين في حقول الإبداع والإعمار والإنجاز والإعجاز كل محبتنا وتقديرنا.
مؤكدين أن وطناً يجعل أعياد شهدائه في طليعة أمجاده ومفاخره، لابد أن يستعصي على مؤامرات الصهيونية الحاقدة والرجعية البائدة والإرهاب التكفيري الوهابي النفطي، مهما يتطاول ليل العدوان، ويزداد داعموه غطرسة وحقداً، مرددين مع الشاعر القومي على الدوام:
(قل للمغير على مرابعنا كالسيل ينفذ من هنا وهنا)
(إن لم يكن زمن يوافقنا للثأر منكم نخلق الزمنا)
وهذا ما يرسخه في الأذهان والميدان شهداء شعبنا الصامد وجيشنا الأسطوري البطولات الذي ترفع له أزهار أيار قبعتها وتيجانها عربوناً ساطعاً لانتصارات غابرة وحاضرة ومستقبلية.