حين يصير الجرح رواية “طابقان في عدرا العمالية ” شاهداً
كثيرة هي الروايات التي صدرت، أو قيد الطبع أو في طريقها إلى التشكل وشاغلها الرئيس الحرب الظالمة على بلدنا، وفي معظمها تنتمي إلى رواية الواقع، وهمها الكبير والواضح هو تدوين الحدث الجلل، أو جانب منه، إذ لا تقوى أية رواية على الإحاطة بكل جوانبه، ويكاد كل تفصيل صالحا لأن يشكل مناخا سرديا قابلا للبناء المتكامل، أو حتى تكاد قصة أي شهيد من شهدائنا الأبرار رواية بحد ذاتها، وهذا ما حرضني على الإضاءة هنا وبين يدي رواية (طابقان في عدرا العمالية) لصفوان إبراهيم.
فأي رواية هي وأي روائي هو؟
ترصد الرواية حياة أسرتين من الأسر التي حظيت بشقة في مدينة عدرا العمالية، وهي مدينة على حدود الصحراء، ولم يكن أحد يدري أنها على حدود البركان.
في هذا البناء عاشت الأسرتان كأنهما أسرة واحدة وتبادلتا كل ما يؤكد الأخوة والمحبة، وتصاهرتا حيان أحب وتزوج شقيقة وليد الذي ترك بلده دون رضا والده وسافر إلى السعودية لنيل شهادة عليا في الوهابية عقيدة وممارسة، وليعود (فاتحا) لعدرا العمالية وليخلص أهله وأخته كما صار يرى الأمر بعد عملية غسل دماغ محكمة.
أبو وليد هو من تبرع لأبي علي بكليته حين لم يجد المدير السابق لمعمل إسمنت عدرا من أهله وذويه وطائفته من يهبه كلية، وهو نفسه من خلّص أبا وليد من تهم لفقت لهما.
أحداث كثيرة رصدها الروائي تكاد تكون يوميات الحرب وما قبلها بقليل، وهي حياة مشابهة لما هي عليه حال معظم الأسر السورية القادمة من الريف إلى المدينة ليتلمس كل فرد من أفرادها دربه، وما يلاقيه خلال بحثه عن ذاته من صعوبات وما يجتازه من معوقات وما يحققه من نجاحات، وهنا يرسم الكاتب شخصية علي الطالب المجد والمتفوق والذي يحظى ببعثة إلى روسيا، ولكن نجاحه الذي يفاخر به هو أنه ظل يكافح حتى أعاد وليد ابن جيرانه وشقيق روحه إلى جادة الصواب ولكن متى؟ الجواب في الصفحات الأخيرة من الرواية ومن حياة وليد بالذات، وهو الشخصية الوحيدة التي انتهت إلى الموت أما بقية شخوصها فهم مازالوا على قيد الحياة وهذا فعل إيجابي، على الرغم من أن الموت هو الحاضر الأكبر في حياتنا.
لكن الأديب وهو القادم من فضاء عال يؤكد أن الشهداء لا يموتون وإنما تكتب لهم الحياة الأبدية، وهذا شأن حيان الذي قام من بين الأموات، وتستحق عملية تخليصه من عدرا العمالية من قبل أم فقدت ابنها أن يظل حيا في ذاكرتنا.
صفوان إبراهيم طيار من نسورنا الأبطال، استشهد أخوه المقاتل حيان، كتب الرواية تكريما لذكراه وأتبعها برواية ثانية ليبرهن عن عزيمة لا تلين أمام الموت، وأن سلاح الكلمة مازال يمتشق صهوة الحروف للدفاع عن حق وخير وفضيلة.
رياض طبرة