ثقافةصحيفة البعث

السدير مسعود.. موهبة تظهر في دقيقة

المخرج السينمائي الموهوب السدير مسعود تظهر براعته في أي مادة سينمائية يتعامل معها، سواء كانت مادة إعلانية، إعلان توعية اجتماعية، أو مادة موسيقية راقصة مصورة، وينظر إلى جميع التجارب التصويرية، كورشة عمل مستمرة، يصقل فيها مهاراته نحو مزيد من التطور، وهذا ما يظهر في تجربته الأخيرة، التي قام فيها بإخراج إعلان تلفزيوني لسلعة محلية، يقوم ببطولته النجم الكبير “أيمن زيدان”.
أهمية هذه التجربة تبدأ من المستوى الفني الذي يعاني منها الإعلان التجاري المحلي عموما، والتلفزيوني منه بشكل خاص، فالإعلان كنشاط ترويجي غير مباشر، يجب أن ينطوي على تجربة جمالية ممتعة ومسلية للجمهور، سواء ظهر على صفحة جريدة، أو لوحة طرقية، أو على التلفزيون، وتزداد خطورة الإعلانات التلفزيونية عن غيرها، في أنها يتم إقحامها على الجمهور، فبينما يستطع قارئ الصحيفة أن يُشيح نظره عن الإعلان، ومثله عابر الطريق عن اللوحة، فإن الإعلان التلفزيوني غالبا ما يظهر ضمن فقرات مشوقة، يتخلل مسلسل أو برنامج، ما يجعله في حال كان ضعيف المستوى، مادة مزعجة، قد تهدد الفرجة الدرامية، ولا يخفى على أحد أن الكثير من الإعلانات التلفزيونية المحلية، أصبحت مادة للتندر والسخرية على مواقع التواصل، هذا بالإضافة إلى الخسارة الاقتصادية التي يُمنى بها صاحب الإعلان نفسه، لكن بداية مبشرة، ومستوى رفيع، يظهران في الإعلان الجذاب الذي يُعرض على بعض قنواتنا المحلية هذه الأيام، وأول ما يشعر به من يراه، أنه جذاب، غير نافر، غير صاخب، لا يشكل إزعاجا في حال قطع مسلسل، بل إنه مادة غنية بحد ذاتها، وذلك بصوت نجم محبوب، وتعليق يصاحب الصورة الفلمية، وهي هنا المادة الإعلانية؛ الإضاءة السينمائية الدافئة، وذلك بمزاج لوني أصفر قريب إلى البرتقالي، وكاميرا مميزة، تأخذ الموضوع بذكاء، انسجام الصوت الدافئ، الهادئ، مع دفء المادة البصرية، والعامل الشخصي للتعليق الذي نسمعه على شكل تجربة شخصية، كل ذلك يخدم طبيعة السلعة نفسها، وهي هنا القهوة.
التعليق الصوتي يقول الكلمات التالية: (بيقولو الضو بيحرق اللي بيقرب منو، من اللحظة الأولى شفتو وهو عم يقرب مني، مشيت وما فكرت باللي قالوه، والضو كل يوم عم يقرب أكتر واكتر، وبدل ما يحرقني صار رفيقي، رفيقي بكل حوار عملتو ع المسرح، بكل مشهد قدام الكاميرا ووراءها، بكل كلمة كتبتا، وكل فكرة عبرت عنها، رفيقي بأول حلم بديت فيه ولهلق ما انتهى، رفيق مبارح واليوم وبكرا؛ اختار رفيق لحلمك وتمسك فيه)، الكلمات السابقة المنتقاة بعناية، تصاحب المادة البصرية التي يظهر فيها الممثل في لحظات مُختارة بعناية تحاكي “بالتمثيل” يومياته المهنية، جالسا على كرسي المخرج، يزاول مهامه، يعطي الإرشادات الإخراجية، مع حضور واضح للضوء من خلال المصابيح، كعنصر ومضمون يقترب من كلمات التعليق ويتطابق مع المسيرة المهنية للنجم الذي أحبه الجمهور منذ بواكير أعماله، البوح الذي يقوله فيه عنصر قصصي واضح، ثيمته النجاح، الطموح والشهرة، وفي نهاية الإعلان، نراه يسير بجانب عمود (المرجة)، المعلم الأثري المعروف.
هذه الخطوة الناجحة في عالم صناعة الإعلان، بمعايير سينمائية رفيعة، لا تخدم فقط القنوات المحلية، بأن تضيف مواد جذابة على ما تعرضه، بل أيضا تخدم الصناعة السورية بحد ذاتها، وهي صناعة تتعافى الآن وتتماثل للشفاء، بعد مصاعب كثيرة ومحن عديدة مرت بها خلال السنوات القاسية المنصرمة.
تمّام علي بركات