ثقافةصحيفة البعث

رشــــيد عســــاف وشــــخصية الباشــــا المركبــــة

 

“أنا الباشا” الجملة التي يرددها النجم رشيد عساف وهو يحمل العصا في مشاهد مسلسل الباشا الذي يشكّل فيه الحامل الدرامي من خلال الشخصية المحورية الباشا، التي تدور حولها التفاصيل والحكايات الاجتماعية والسياسية في مرحلة زمنية تعود إلى أواخر الوجود العثماني على بلاد الشام وبالتحديد في لبنان، وسيطرة الباشاوات الملاكين على الأراضي والفلاحين.
العمل الدرامي اللبناني من إخراج عاطف كيوان وكتابة رازي وردة عن قصة أجنبية- بكاركتر مختلف تماماً عن شخصية الزعيم التي جسدها في السنوات الأخيرة في أعمال البيئة الشامية، وبرع بمفرداتها موظّفاً طاقاته وأدواته في إيضاح ملامح شخصية الزعيم الإيجابية وشفافيته بعلاقته الخاصة مع أهل بيته ومع أفراد الحارة، والأهم الدور البطولي الذي يقوم به لمحاربة الفرنسيين، لتلتقي هذه الشخصية الإيجابية المثلى بصورة مغايرة بشخصية الباشا الذي يمثل السطوة والقسوة واستغلال الفلاحين واستلاب أراضيهم، وقد شدّت هذه الشخصية المعقدة والمركبة المشاهدين منذ أن بدأ عرض الجزء الأول وحالياً يستمر عرض الجزء الثاني في شهر رمضان، وسيستمر عرض الجزء الثالث بعد رمضان ليصل إلى مئة حلقة.
وبدا التأثير الكبير للنجم عساف- الممثل السوري الوحيد- على الدراما اللبنانية ووقع حضوره الطاغي على بقية الشخوص، مما أوحى للمشاهد بقوة الشخصية رغم أن الموضوع الأساسي للعمل مألوف لاسيما في الدراما اللبنانية.
يبدأ الزمن الفعلي للعمل الذي تدور أحداثه في قرى جبيل والجنوب في عام 1912، إلا أن خطوطه الدرامية تربط بين ثلاثة أزمنة بدائرة الحب والانتقام والقسوة والحرمان، فيعود المخرج من خلال تقنية الفلاش باك إلى منتصف القرن التاسع عشر 1800 ونهايته في لحظات تأملية خاصة يمرّ بها الباشا، حينما يسترجع طفولته البائسة ومعاملة زوج أمه القاسية بضربه ضرباً مبرحاً وتشغيله بالتسول وأخذ كل ما يجمعه، وباسترجاع الحدث الهام بقتل زوج أمه وهربه.
وقد تعمد المخرج إثارة الغموض في البداية بطرح سؤال خفي حول كيفية وصول إسماعيل إلى مكانة الباشا، لتعود الأحداث من خلال الاسترجاع إلى زواج إسماعيل سراً من ابنة الباشا وهربهما إلى كهوف الجبل، ومن ثم عودتهما مع طفلهما، ليرفض الباشا هذا الزواج ويعود إسماعيل إلى مواجهة العنف من جديد. وتتصاعد الأحداث بموت الباشا والد زوجة إسماعيل، فيقتل إسماعيل أخ زوجته التي توفيت ويحتال على زوجته بالاستيلاء على جميع أملاك الباشا المتوفى ليغدو هو الباشا.
وتمضي الأحداث مع مستويات مختلفة وتدرجات لشخصية الباشا التي فسّرت الأحداث سر هذه القسوة التي يمارسها، والتي ستنعكس أيضاً على الباشا نفسه بتمرد ولديه أمين المحامي –نيقولا معوض- ووحيد، بينما يبقى صالح مسالماً، وتربط حبكة العمل بإحكام بين الحب والغيرة والانتقام، بظهور شوكت الراقصة في ملهى انتصار والتي يسعى الباشا للتقرب منها بكل الوسائل ليعرض عليها الزواج، إلا أنها تقع بغرام ابنه وحيد لتنسى أنها جاءت إلى الضيعة من بيروت بهدف الانتقام كونها وريثة جدها الباشا وابنة ابنه الذي قتله إسماعيل الباشا الحالي في الصيد.
ولا يقتصر العمل على تجسيد صورة الباشا إسماعيل من خلال أولاده والفلاحين والقرية، وإنما يتناول سلوكياته اللاإنسانية التي تجعله يغتصب الخادمة ولا يعترف بابنه صابر الذي يعامله كخادم، لتتكرر القصة ذاتها مع إحدى فتيات الحانة.
يفضح العمل أيضاً أساليب استغلال الباشاوات للفلاحين بتراكم الديون عليهم وعدم استيفائها ومن ثم الحصول على حجج أراضيهم وطردهم من منازلهم، ليتطرق إلى جزء حقيقي من تاريخ بلاد الشام المعاصر ومعاناة الفلاحين عبْر عقود من الاستغلال اللاإنساني.
ومازال العمل الذي تميّز بجمالية الصورة المرتبطة بعناصر الطبيعة والأبنية الحجرية والقصر الكبير والأزياء والماكياج المناسب لمرحلة تعود إلى أكثر من مئة عام، يخضع لكثير من المتغيرات وسيكشف عن أحداث جديدة وجدت طريقها ضمن السياق الدرامي في رمضان وعبْر ظاهرة الحضور السوري في الدراما اللبنانية.

ملده شويكاني