ثقافةصحيفة البعث

أحلام بناوي منذورة للحب في “أسئلة السواقي”

 

حين صافحني هذا العنوان: منذورة للحب وهو عنوان قصيدة من قصائد مجموعة “أسئلة السواقي” للشاعرة أحلام بناوي رحت أتتبع خيط الحب ومداراته في كل مقطع وفي كل نشيد، لعلي أحظى بقراءة لما يكون عليه الحب بعد كل هذا الخراب والدمار، بعد هذه السنوات العجاف الظلوم.
مثلما كان علي أن أبحث عن أسئلة السواقي وهل عنوان هذه المجموعة يعبر عما فيها ويكثفه، أم أننا أمام عنوان يستوقفنا يدفعنا للتأمل في ماهية السواقي، أما أنا فرحت أستذكر آخر مرة تلقيت فيها تلك الأسئلة التي تطرحها هذه المياه العذبة وهي تتوافد بتؤدة إلى الوادي المعتق في ذاكرتي وهو يهدر مع كل شتاء من أعالي الجبل إلى أرحام سهل مطرز بنيسان. وأول ما طالعني في هذا الحب أنه عن سابق إصرار وتعمد حيث سعت الشاعرة إلى أن تحنط صورتها في كل قلب حقيقي بالمحبة والبهاء:
فمي للحب مئذنة
وظلي
خيال مآته بالبغض ناء.. ص14
وهي في ذلك لا تخاف مما لا تعرفه وتشك في شكها حتى كأنها الشك تعتنق:
قلب فتيل
كلما انغمست يده
بزيت الوقت يحترق ص 19
وهنا لا أحتاج للتذكير بجمال الصورة وبهذه المقاربة بين النور والقلب والاحتراق، ففي المجموعة الكثير من هذا كالحكمة التي تطلق عنانها على متن الوافر ومجزوئه:

تطل الروح من ثقب المعاني
على شمس مقيدة الوثاق
تدور الكأس مترعة علينا
كأن الدهر للعشاق ساق

لكن الأوضح في مفردات الحب عند أحلام بناوي عشقها للشام، هواها الدمشقي وقد عبّرت عنه في غير موضع وذهبت إلى أن كل الذين أتوا دمشق تدمشقوا ص 59، ولأنني ربما أعيش ذلك كغيري من عشاق دمشق أوافقها إلى ما ذهبت إليه، ودمشق تستحق أكثر من هذا الانتساب على أهميته، تستحق أن تقول أحلام فيها:

يا شام مالك تسكنين خواطري
وتشاكسين قصائدي ودفاتري
حتى كأن الدمع فوق محاجري
مرآة وجهك والجمال الثائر
والقدس وجه آخر للحب ومثلها غزة وكل مدينة من فلسطين حتى ترى الشاعرة وكأنها من هناك من الجرح العربي الغائر في الوجدان الجمعي للشباب العربي منذ النكبة وبات يؤرقها:
عن أي جرح أشتكي
كثرت جراح عروبتي
ما عدت أحصيها لكي أتألما
من غزة تحت الحصار
علا الدخان وتمتما
الوجه الثالث للحب في أسئلة السواقي الحبيب المنتظر لكن السؤال:
كيف انجذبت لحسنه
كفراشة للنار
تعلم أن سيحرقها الشرر..
ألم أقل إنها وعن سابق إصرار ووعي بعظمة المحبة عبرت هذه الأسئلة، أما كيف عبّرت عن ذلك وهو سؤال النقاد عادة فإن الإجابة تدخلنا بهذه المحاولة لتقطيع البيت إلى جمل شعرية وربما مفردة واحدة تأخذ مكانها على سطر كامل، ولكن ذلك لم يبعد عن القصيدة مبناها ومعناها المألوف والمستساغ في الذائقة العامة، يؤكد ذلك ما ختمت به الشاعرة مجموعتها من تخميسات على أبيات للمتني والجواهري والبرغوثي، وهو تقليد شعري أرادت أحلام تجديد شبابه كمساهمة منها في إحياء رسالة الشعر كما ذهب إلى ذلك الشاعر أسامة شحادة في تقديم أسئلة السواقي.

رياض طبرة