الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

على طريق الحوار

 

 

 

عبد الكريم النّاعم

يبدو جليّاً أنّ لا بناء، ولا نجاح، ولا أمل، إلاّ ببناء الأخلاق الفرديّة الاجتماعيّة في آن، لأنّ الفرد/ العائلة هي الخليّة الأولى، ويبدو أنّنا قد نكرّر، وقد نُعيد للضرورة، فقد قلت سابقاً إنّ المريض لا يُلام إذا قال: آخ.
المشكلة العويصة هي من أين نبدأ، وهذا إقرار بضرورة البدء، لكنّ الخلاف على من أين قد يقودنا من تشعّبات، ومرتفعات، ومنخفضات، لأنّه، بشكل ما، يقترب من الأيديولوجيا، وكلّ صاحب أيديولوجيا سيزعم بينه وبين نفسه أنّ ما هو عليه هو الخيار الذي يجب ألاّ يُختلَف فيه، وهكذا نكون قد عدنا إلى نقطة البدء.
ما ذكرتُه آنفاً قد يكون في غاية الصعوبة، تنفيذاً، على المستوى الفردي، ولكنّه لا يحمل ذات الصعوبة حين تتبنّى المشروع دولة، لما لديها من الإمكانيات، وبحكم أنّها قادرة على إصدار القوانين التي تراها محقّقة ذلك الغرض، بيد أنّ الأمر ليس بهذه السهولة، فإصدار القانون قد يكون سهلاً، ولكنّ التنفيذ هو الأساس، والمشكلة هنا في أنّ(بعض) مَن يُعهَد لهم بالتنفيذ يمتلكون براعة مفزعة في التسلّل، وفي نخر التوجّه العام.
إثر نشر مقالتي في صحيفة البعث “فقدان روح”، والمنشورة بتاريخ 30/4/2019، جاءني العديد من التعليقات اخترت منها هذا التعليق للصديق الأديب الحلبي، محمود منقذ الهاشمي، لما فيه من فتح الآفاق، ولما فيه من إشارات بعيدة الغور: يقول “أتفق معك أننا قد تخلينا عموماً عن أهم قيمنا ومثلنا، التي كان ينبغي لنا أن نتمسك بها، إلا أنني أرى أننا قد فقدنا شخصيتنا الشرقية ولم نكتسب الشخصية الغربية؛ فلم نصبح غربيين ولم نعد شرقيين، إن أهم القيم التي تميز الشخصية الغربية هي روح التعاون، واحترام الآخر، وتقدير الكفاءات وإعطاؤها حقها في التفتح والعمل، واحترام الأنظمة والقوانين وتنفيذها، والدقة في المواعيد، والإخلاص للعمل. أين نحن من هذه القيم؟ فلولا التعاون لما حققوا أي نجاح، ولولا احترام الآخر لتفسخت مجتمعاتهم، ولولا تقدير الكفاءات لأخفقت كل مؤسساتهم، ولولا احترام الأنظمة والقوانين لسادت الفوضى، ولولا الدقة في المواعيد والإخلاص في العمل لضعف الإنتاج، وأحب أن أشير في هذه العجالة إلى أن محافظ مدينة روتردام الهولندية ورئيس بلديتها هو أحمد أبو طالب، المغربي الذي هاجر مع أسرته وهو طفل إلى هولندا، ويحترم الهولنديون كفاءته ويتمسكون به، وليس هو المثال الوحيد، وقد نختلف مع الغربيين في حريتهم الجنسية وعدم تمسكهم بالدين عموماً، وفي هذا نجد الغربيين لا يختلفون عنا وحسب بل كذلك عن عموم الشرقيين الذين يعيشون في أوربا ويمارسون عاداتهم وطقوسهم كأنهم في بلدهم، ولكن المهم أن الغربيين لا يجبرون الشرقيين على إتباع عاداتهم.. تحياتي وأشواقي الحارة”.
تُرى هل يحتاج الأمر أكثر من تطبيق بعض ما ورد من أخلاق عمليّة في تلك المجتمعات التي نشكو حيف حكوماتها، وانحيازها ضد قضايانا العادلة؟
أولئك بنوا مجتمعاً مدنيّاً، خلّص نفسه من ربقة الخضوع لنصوص بعض الذين يرفعون مقولاتهم المذهبيّة الضيّقة، المنافية لروح الدّين، يفرضونها عليك على أنّها هي الدين!!.
تُرى هل ينبلج صبح اليوم الذي ننتظر فيكون إعمار النفوس بالقيم الإنسانية العالية مقرونا بإعادة إعمار مادمّره التكفيريّون باسم أنّهم ممثّلو الله على الأرض؟!!
ليست لديّ معطيات، وفي مثل هذه الحالة قد يلجأ أمثالي إلى (الحَدْس) فأقول إنّ حدسي ليس بعيدا عن ذلك الأمل.
aaalnaem@gmail.com