“منام الماء.. سيرة الحروف”.. منازل القمر
تروي الفنانة التشكيلية اللبنانية خيرات الزين في كتابها منام الماء – سيرة الحروف – حكايتها الشاعرية مع أبطال من صوت وصورة يحملون اللغة والمعرفة ولهم من القداسة والدلالة الكثير، فالفنانة العارفة بتلك المرتسمات التجريدية المتبدلة بهندساتها البصرية ودلالاتها الروحانية من صائغ لآخر تبعث فيها حضورا مختلفا من قبل الكاتبة التي تستولد من هذه الحروف حضورا آخر يقترن بوجدان الشاعرة والفنانة التشكيلية في نص جديد يقع بين الشعر والحكاية، غلافه لغة العاشق المتصوف.. ثمانية وعشرون حرفا تحمل ثمان وعشرين منزلا للقمر.
تزين صفحات الكتاب رسما لكل حرف ويقابله نصا يمتزج فيه الشعر مع السيرة الواصفة لهذا الكائن فهو إسراء الروح إلى الحياة ومعراج النفس إلى النور، يربط الأرض والسماء، الحرف العربي فاتح الفنون إلى التجريد والرمز، يرفع الضوء عن الورق ليصل إلى أعلى المقامات، للحروف أسرار هبط بعضها إلى الأرض فخرجت من عباءته الخيول والورود والينابيع وبعضها ظل معلقا في السماء يصلي متدفقا مثل الملائكة والقديسين والأنبياء.
بدا الحرف صوتا للحب، تحول إلى صورة هلال، هام بين أسراب الغيم، حجب وجهه بالأحلام وقبل انبلاج الفجر تحوّل إلى ماء.. وما الماء إلا الحياة.
بهذه الحساسية تحاور الكاتبة حروف اللغة العربية جاعلة منها مثالا يعيش وينمو ويتفاعل بوجدانية عالية حين تُلبسه الفنانة التشكيلية لغتها الحالمة، حيث تتشابك تقنيات الكتابة مع بعضها مما يضيف مشكلة في عالم التصنيف! هل هذا النص يمثل تهويمات لغوية أم قصصاً قصيرة أو شوارد شعرية هائمة في غابات الكلام.. يطرح الشاعر طارق آل نصر الدين في مقدمة الكتاب سؤالا ليس للإجابة، فالأدب سؤال!: “أثير مشكلة التنويع في الأسلوب لأقترح حل التوحد في النص فمن واجب المبدع أن يكتب وحق القارئ أن يأخذ الكلام الجميل الذي يريده! فالكاتبة الفنانة تنقل ألوانها من العين إلى المخيلة وتقطف ورود اللغة من بساتين روحها الصافية.. ما أشبه كلامها بها أنسيّة مدهشة إذ أنست إلى جوارها.. في هذه النصوص تحلم كطفلة وتقدم بنياناً خاصاً لا يرتكز إلى قواعد العمارة التقليدية، بقدر ما يستمد حجارته من ذوق مرهف وعين بصيرة..”.
لا شك أنها وقفت مليا أمام ما حفل فيه عالم الحروف من علوم وفنون لتجد مساغاً لقلمها وأوجدت موقعاً وسطاً بين مرسمها ومكتبها، مابين لوحاتها وقصصها وخواطرها، فانداحت رؤى حروفها في منسرح من تصوير ومقترح من تدوين أفكارها، فوجدنا أنفسنا أمام رسوم غنية في عناصرها وألوانها المستضافة من الطبيعة في رؤية فلسفية تاريخية أدارت حواراتها مع حروف ورموز في مناخ من الأسطرة والشعر.
يقع الكتاب الصادر عن دار عالم الفكر في بيروت بطبعة أنيقة في 200 صفحة من القطع الكبير تزينها لوحات حروفية للفنانة، ويعتبر من الكتب القليلة التي تناولت عالم الحروف العربية واحتفت بها.
أكسم طلاع