ثقافة

مُختارات قصص من قصر

هناك كتاب تنتشر أسماؤهم مثل الكنز, بعيداً عن الضوضاء الدنيويّة, محبتهم هي نوع من عرفان الجميل. وهذا ما ينطبق على روبير ماغري أو إيمانويل  بوف أو فريدريك أكسلي أو إدوار فون كيسلينغ, الذين نشرت لهم مؤخراً دار أكت سود مجموعة مشتركة من ثلاث عشرة أقصوصة. وما يجمع بين هؤلاء الكتاب هو أصوات, كل منها فريد, وكل منها بعيد عن شكاوى الزمان. وصوت كيسلينغ يولّد صدى, كما الألوان على لوحة انطباعية, وترددات بين اللمسات, وبين الكلمات.

ولد الكونت كيسلينغ الألماني من أصول جرمانية – بلطيقية, في العام 1855 عند تخوم بروسيا الشرقية وروسيا, في منطقة دولة ليتوانيا الحالية. وإذ بات على هامش المجتمع لأنه ارتكب “غلطة ” حين تخلى عن دراسته للحقوق في العام 1877, في ظروف غامضة, وراح يسافر بين النمسا وإيطاليا قبل أن يستقر في ميونيخ في العام 1895. عاش حياة بوهيمية في حي شواشو ابلغ, كانت تتحلق حول كتّب مثل فرانك ويديكند, مؤلّف كتاب “لولو”, وكذلك فاسيلي كاندينسكي وبول كلي، على غرار الكثير من الكتّاب الألمان, خاض مختلف الأنواع الأدبية: المسرح والرواية والقصة القصيرة, وإذا أصيب بمرض في النخاع الشوكي, نتيجة مرض لم يُعالج جيداً, أصيب بالعمى في العام 1907, فراح يُملي نصوصه إملاء, وتُوفي في العام 1918 محاطاً فقط ببعض المخلصين والأصدقاء النادرين.

تتولّد وحدة القصص المجمعّة هنا من الوسط الموصوف, كما من نبرتها، فنحن في كل مرة تقريباً إزاء عالم ارستقراطي محميّ من الحاجة, حتى وإن كان زمن الزهو قد ولّى بالنسبة إلى هذه الطبقة النبيلة البروسية الصغيرة التي ستضعف بعد الحرب العالمية الأولى والتي شعرت بقرب نهايتها. ويدل ترتيب التسلسل التاريخي (1903 إلى 1918) الذي تمّت المحافظة عليه في هذه المجموعة على أن مأساة العمى لم تشوشّ كلياً عملية الكتابة, كما ولو أنّ كيسلينغ قد استبطن كلّ ألوان العالم, في كل مكان هناك روائح: أوراق شجر البرتقال, وقماش الساتان على الكنبات الدافئة بحرارة الشمس, والملمّع الشمعي, وسائل العسل, والياسمين.

لقد عرف المترجمون الثلاثة كيف ينسقّون هذه النصوص, عبر تضافر الحساسيات أو بالمواءمة، لكن بالإمكان الشروع في القراءة بأي ترتيب كان, مستترين بالعناوين: صيف حارق, تناسق, وشوشات الموج, أصحاب السمو, وأبناء الأيام السعيدة. في هذا العالم الزائل, المنحط أحياناً, يبدأ طلاء اللياقة والتوافقات بالتصدّع تحت وطأة الغرائز, إنه عالم الانتظارات والاحتكاكات والحسد والعذابات والخسارات والانبعاثات الولهى للشهوانية والانقياد المتعالي, إنه غالباً عالم الليل “الحب يُقرّب الناس بعضهم من بعض, لكن ليس لكي يتبادلوا السعادة، فالحبّ يسخر من هذا النوع من الحسابات. ربما نحن نحب بعضنا بعضاً لكي نقضّ مضاجعنا” وبخلاف ستيفان زفايك, الذي يولي القليل من الأهمية للديكور والمكان لكي يركّز على تحليل حركات النفس, يوكل كيسلينغ إلى الطبيعة وشظاياها واختراقاتها, الاهتمام بترميم ما يبلبل الناس المرتجفين أمام هواء الانفعالات الشغوفة. ودائماّ يترصّد الموت هذه المطاردات العاطفية.

إبراهيم أحمد