الأسطورة والرمز في “سرير الغيم”
أثمن ما ذهبت إليه الشاعرة أميمة إبراهيم في سرير غيمها أن الأمكنة الجميلة على رحابتها لا تتسع لفيضان أنثى أسكرها نبيذ فتنة، من قصيدة قداس الخصوبة.. ذلك بأن الأنوثة عالم من عوالم الاتساع كالسماء والبحر والكلمة فكيف إن كانت الكلمة شعرا؟ وكان الشعر فيضا من الأحاسيس وتلمسا لملامح غد يعيد لنا وطننا بأبهى حال ومآل:
“في الخريف عن ذواتنا نبحث/ هل أضعنا البوصلة أم مازال في استطاعتنا عبور هذه الصحارى؟”.
وفي عبورها الأول إلى قلوب القراء تعلن الشاعرة أنها مثل وطنها ويكاد هذا الإعلان أن يكون صرخة تتعالى شيئا فشيئا في باقي القصائد، وتأخذ شكل الصلاة حينا وهي صلوات في الحقيقة، وبوحا شفيفا في باقي الأحايين فكيف هو:
“قلبي وطن أنهار وسهول وآيات زيتون وتين/ وصلاة فجر وأصوات أجراس في ذهب الشروق” ص8
ومثل هذه الروح الإيمانية العميقة والثقة بنهوض الوطن وقيامته كثير ولكن أجمله ما حمل الرمز أو حملته الأسطورة بدلالتها الواسعة والغنية. وسأتوقف عند مريم بكل رمزيتها الإيمانية وكيف تناولتها الشاعرة في بعض قصائدها تقول:
“لأني مريمتك/أؤمن بانبعاثك فجرا/وأبشر بما وهبتني من كلام/وأتبع قدس خطواتك
على طريق الجلجلة/ولا أخشى الملام”
ومريم هنا عذراء ومجدلية ولكل منهما ما تمثله من طهر وقداسة ومن خطيئة ثم توبة وارتقاء بعدما خلصها السيد بعبارته الأزلية: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بححر.. فامتنعوا ونجت وتطهرت وغدت امرأة أخرى، هكذا يكون الخلاص الفردي والعام.
ومثلما وظفت الشاعرة الرمز الديني كذلك تمكنت من توظيف مخزونها المعرفي بالأسطورة والرمز، فقد حشدت في صفحات متقاربة ما يلي:
سندريلا، شهرزاد الجلجلة، المجدلية، عشتار، ليليت، فينوس، فهل كان ذلك تحديا لما زرعوه من ألغام في حنجرة القصيدة ص 21 أم لما وضعوه في قعر الفنجان من صخور من بازلت ص 25حتى ردت عليهم:
لكن طريق النور/جليا يبدو/في اتجاه سماء من نوارس
وهي أي الشاعرة من مدت شراشف الحكاية وخبأت في سحابة من مرمر الروح أشواقها كي تستمطرها أوان قحط وتجفاف، لأن في داخلها حزن وفي عينيها دمع مدار وفي روحها ارتباكات وبعض زهرات عطشى..ص80
مجموعة سرير الغيم للشاعرة أميمة إبراهيم من إصدارات الهيئة العامة للكتاب لهذا العام وتتجاوز صفحاتها المائة صفحة وعدد قصائدها اثنان وأربعون، حمل العنوان كلمة واحدة من مثل: نساء، قراءة، نهر، رجاء، مفارقات، أصوات، حكاية ماء، تشكيل، إصرار، أمل، رقص، احتاج، خيال، غياب، خوف، شطرنج، ومنها ما حمل كلمتين أو أكثر، وهذا التنوع في العناوين وإن جاء عفو الخاطر إلا أن القصيدة الحديثة بما تحمله من شحنات مكثفة لا تحتمل المزيد من الكلمات في العنوان، ويمكن للكلمة المفردة بالعربية أن تفي بالغرض من العنوان كفاتحة للقريض أو للدلالة على ما يحمله النص، وعند الضرورة يمكن أن تضاف مفردة ثانية ذات غنى دلالي يسهم في لفت نظر القارئ.
رياض طبرة