ثقافةصحيفة البعث

الأدوار الثانيــــة والبطولـــة الاســـتثنائية في الدرامــــا التلفزيونيـــة

 

يخطئ من يعتقد أن البطولة والنجومية في الدراما التلفزيونية تأتي من ترتيب عرض الأسماء في شارة أي عمل والبوسترات الدعائية، فمن يتابع المسابقة الرمضانية لهذا العام لابد وأن تستوقفه أسماء فنانين سوريين لا يصنفون ضمن الصف الأول حسب ترتيب شارات المسلسلات، لكنهم يصنفون أبطالا حقيقيين في الأدوار التي يؤدونها، وهنا من المهم التوقف عند نماذج عديدة سحبت البساط من تحت من يصنفون نجوما وفق المنظور التسويقي وتتفرد أسماؤهم في صدارة شارة أي مسلسل، فقد تميز وبرع الفنانان وفاء موصلي وأحمد الأحمد في مسلسل (حرملك) مع المخرج تامر إسحاق والكاتب عبد العزيز سليمان، إذ تمكنت وفاء موصلي من إثبات مقدرة فائقة على فرض نفسها كممثلة قادرة على الإبداع والإقناع في أداء شخصيات معقدة ذات مساحة إبداعية واسعة، فهي في هذا العمل تتربع في الصدارة جماهيريا متجاوزة كل التصنيفات التسويقية، حيث جسدت شخصية “أم رسلان” أم الشباب الأربعة الذين تسعى لجعلهم قوة يعتد بها. امرأة قوية وقاسية استطاعت موصلي الوصول بها إلى حالة مبهرة من الإقناع والتجسيد، في اللعب على التفاصيل الدقيقة للحالة السيكولوجية والتاريخية لتلك الشخصية فجاء دورها محوريا وفق المقياس الجماهيري، وكذلك فعل المبدع أحمد الأحمد في دور رسلان، الابن الأكبر للعجوز المتسلطة أم رسلان، عندما تفرد في رسم كركتر جعله مغناطيس المسلسل الأقوى على الجذب جماهيريا، وهو دور لا شك سيسجل علامة فارقة في مسيرته الفنية وفي مسيرة الدراما على وجه العموم. احمد الأحمد الذي جعل شخصية سمعان في مسلسل الخربة تترسخ في الذاكرة الشعبية، يبذل حاليا مجهودا استثنائيا ومبدعا في خلق شخصية تجعله ممثلا استثنائيا لايكرر نفسه في الدراما السورية.
وفي المسلسل الجريء و”الاكشن “(دقيقة صمت) للمخرج شوقي الماجري والمؤلف سامر رضوان الذي يتصدر شارته الفنانين عابد فهد واللبنانية ستيفاني صليبا لابد وأن يتوقف المشاهد بإعجاب عند دور فادي صبيح “أبو العزم” صاحب لازمة يا إنسان، والذي عرفناه مبدعا بدور(أبو الخيل) ولازمة عمنا في مسلسل (فوضى) في الموسم الماضي التي انتشرت ورددها الكثير من جمهور العمل.
فادي صبيح الذي لا يصنف، في الغالب ضمن فناني الصف الأول، كان في معظم أدواره الأول والبطل الحقيقي الذي لا يغادر دون أن يحظى بإعجاب المشاهدين ويترك بصمة في أي عمل يشارك فيه، وهو في هذا العمل يؤدي دور “الميكانيكي” الوفي لأصدقائه حتى الموت، يساعد صديقه أبو رضا الفار من حكم الإعدام دون أن يسأل عن عواقب ما هو مقدم عليه، إذ يعرف فادي كيف يشكل شخصيته ويبعث الروح فيها دون أن يترك للمشاهد مجالا للتشكيك بحيوية هذه الشخصية وواقعيتها، رغم المساحة الزمنية الضيقة المتاحة لها.
كذلك اندريه سكاف بدور”فضول” زوج أم سمارة “ستيفاني صليبا” الذي يعمل بتزوير الوثائق والجوازات، هو الفنان الذي يصنف كوميديا أكثر منه تراجيديا وتراجيديا أكثر منه كوميديا معادلة تنطبق على فنان يشكل إضافة في أي عمل يحضر فيه حتى ولو كان في دور صغير.
وفي مسلسل “ترجمان الأشواق” للمخرج محمد عبد العزيز والسينارست بشار عباس لن نقلل من أهمية أداء الفنانين عباس النوري وغسان مسعود اللذين يتصدران أسماء “الأفيش” لكن الفنان فايز قزق يحاول أن يكون متميزا ومجددا في الاشتغال على شخصية كمال صاحب المكتبة اليساري للوصول بها إلى حالة التماهي والإدهاش، في إبراز الازدواجية الأخلاقية في التعاطي مع الحياة، وكذلك الدور الجريء والمعقد للفنانة المتألقة نوار يوسف صاحبة جائزة أحسن ممثلة في مهرجان الإسكندرية الدولي ٢٠١٥ عن دورها في فيلم الرابعة بتوقيت الفردوس مع ذات المخرج.
في هذا المسلسل تؤدي دور الراقصة” شاليمار” في ملهى ليلي وعشيقة المثقف اليساري كمال، تلعب نوار على شخصية الراقصة بحيوية وبراعة مقنعة تكثفها ضمن لوحات بمساحات قصيرة لكنها جدا معبرة ومؤثرة ، تشكل ركيزة وإضافة هامة للعمل.
كما تؤدي الفنانة الشابة حلا رجب التي اعتدنا على تصديها للأدوار الصعبة والمركبة ،دور “مها” في مسلسل “هوى أصفر” ﺇﺧﺮاﺝ: أحمد إبراهيم أحمد وﺗﺄﻟﻴﻒ: علي وجيه ويامن حجلي وبطولة سلاف فواخرجي ويوسف الخال وهو دور ثانوي لكنه هام تعيش فيه الحالة بكل تفاصيلها وآلامها لامرأة تتعرض للإجهاض والعقم بسبب زوجها العابث والشكاك”أمير” وتنجح في كسب تعاطف المشاهد. وسوسن أبو عفار في “مسافة أمان” مع المخرج الليث حجو وتجسد فيه شخصية “سميحة” التي تعاني اضطرابات نفسية تسبب الكثير من المتاعب والمشاكل لمن حولها وخاصة لابنتها وصهرها.
هذه عينة من شخصيات فنية تستطيع بموهبتها الفذة ومقدرتها على الخلق والتجديد وتحويل أي دور يسند لها إلى بوصلة العمل الفني، وسرقة الأضواء من آخرين يصنفون نجوما وفق مقياس شباك التذاكر، إلا أن العدالة، التي لا تدرك تبقى، هي الحكم والفيصل في منظومة الحياة عموما التي كثيرا ما يقطف البعض ثمار جهد وإصرار الآخرين على إثبات الوجود وسط هذا الزحام.
أصف إبراهيم