صفقة القرن.. كلاكيت مكرر
صالح صالح
التاريخ يكرر نفسه، نعم يكرر الحالة وليس التفاصيل، صفقة القرن التي تمت في القرن الماضي بين 1910 و1920، وتمثّلت باتفاقية، ووعد مشؤوم، ومجاعة، وحرب عالمية أكلت الأخضر واليابس، وحصدت أرواح ملايين البشر، ورسمت ملامح القرن السوداء، اتفاقية سايكس بيكو وحواشيها التي حددت مصير الوطن العربي طوال القرن العشرين، وبقينا كشعب عربي نعاني من آثارها، ونعمل على إلغاء مفاعيلها مئة عام ولم نوفق، أما وعد بلفور بإقامة الدولة الصهيونية فهو أساس الصفقة، ومتمم لجزئها الأول الذي أنتج تقسيماً وشرذمة للوطن والشعب العربي، وإعادة برمجتهم على أساس الانتماءات القطرية، فتكرست التجزئة، وأصبحت واقعاً يفرض نفسه في عقول ووجدان الناس.
واليوم تتم صفقة القرن الحالي بالتوقيت نفسه، العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عقد من الأحداث المشابهة للعقد الثاني من القرن الماضي الذي تكرست أحداثه، وأعطتنا النتائج نفسها.
فالحرب العالمية الحالية تمت على مدى جغرافية الوطن العربي: العراق، وسورية، واليمن، والسودان، وليبيا، بلدان شبه مدمرة، لأن حروباً في منتهى القذارة شنت عليها ومازالت.
الصفقة لهذا القرن فحواها تكريس “إسرائيل” العظمى، أي الأقوى من كل دول المنطقة مجتمعة ومتفرقة عسكرياً، واقتصادياً، وعلمياً، وتقنياً، وسياسياً، لتكون المهيمنة والمسيطرة على كل ما حولها.
والبند الثاني هو تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، أي نسف خارطة سايكس بيكو، وإعادة رسمها بتوزيع جديد يتضمن إيجاد دويلات جديدة تحيط بإسرائيل على أساس إثني وطائفي وعرقي، وربما مذهبي، لتعطي بذلك الشرعية لتكريس وجودها كدولة يهودية خالية من العرب بكافة انتماءاتهم، وأخيراً إنشاء كيان للفلسطينيين لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يسمى، أو تحت أي شكل من أشكال الدول يمكن تصنيفه، يتألف من قطاع غزة الموسع على حساب صحراء سيناء بميناء ومطار تحت السيطرة المصرية، والمراقبة الإسرائيلية من الأرض والبحر والجو، يرتبط بما تبقى من الضفة الغربية بطريق سريع معلّق فوق الأرض أو محفور بنفق تحتها، وفي كلا الحالتين تخضع مداخله ومخارجه للسيطرة الإسرائيلية، وبذلك يتلاشى حق العودة، ويوطّن الفلسطينيون في أماكن إقامتهم أينما وجدوا على سطح الكرة الأرضية.
هكذا تنتهي القضية، ويعلن عرب الخيانة علاقاتهم السرية بإسرائيل بالصوت العالي، ويسير القطيع رافع الرأس بلا خجل في عواصم التطبيع، وتقام الأفراح باسم المنتصرين، ويسدل ستار مسرحية العار السوداء.
صفقة القرن الماضي عاش جدي وأبوه ثلثها الأول، وعاش جدي وأبي ثلثها الثاني، وأنا وأبي عشنا ثلثها الثالث، لقد عشناها جميعاً بألم الانكسارات، وغصات الهزائم.
صفقة القرن الحالي أعيش أنا وأبنائي ثلثها الأول، وسيعيش أبنائي وأحفادي ثلثها الثاني، وهم وأبناؤهم ثلثها الثالث، وبعدها يبدأ تطبيق خطة القرن الثاني والعشرين التي يوضع مخططها وترسم ملامحها منذ الآن!.. نعم التاريخ يعيد نفسه بالحدث نفسه، ولكن بتفاصيل جديدة