ماذا يحصل في مثلث واشنطن – موسكو – بكين؟؟..
د. مهدي دخل الله
إنها مراكز القرار الأساسية في عالمنا اليوم. هذا واقع لا يضيره حلم بشري قديم جديد حول المساواة التامة بين الشعوب والدول، وما دام واقعاً، فلا بد من محاولة سبر أغواره، ما دمنا جميعاً موجودين في هذا العالم.
ضلع المثلث واشنطن – موسكو: أهم القضايا هنا سباق التسلح، وخروج أمريكا من معاهدة ستارت، والعلاقات مع أوروبا القديمة (الغربية) والجديدة (الشرقية)، وكذلك سورية وأوكرانيا وصفقة القرن، المسألة الإيرانية (5+1)، ومحاولة أمريكا توسيع حلف الناتو كي يضم فنلندا وأوكرانيا.
ضلع المثلث واشنطن – بكين: أهم القضايا هنا مسألة السيادة على خليج فيتنام في بحر الصين الجنوبي، واحتمال صدام بين الأسطولين الأمريكي والصيني، وأزمة التجارة بين البلدين في ضوء السياسة الحمائية الأمريكية، وكذلك مسألة الديون الصينية على أمريكا عبر سندات الخزينة الأمريكية التي تملكها الصين، وهناك المشروع الصيني لطريق الحرير (حزام واحد) الذي سيضعف أهمية البحار والمضائق التي تسيطر عليها أمريكا، وتبتز عبرها الدول مثل باب المندب وقناة السويس، وكذلك مسألة كوريا الديمقراطية والأمن في شبه الجزيرة الكورية.
ضلع المثلث موسكو – بكين: مسألة تعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بشكل منظّم، وهي مسألة ما زالت قائمة رغم التقدّم الذي حققته، مسألة العلاقة الهندية الباكستانية، حيث تميل بكين للهند وموسكو للباكستان، ومسألة الارتباط التجاري العضوي بين بكين وواشنطن، ما يضعف حرية الصين في التعامل مع موسكو، ومسألة العلاقة النقدية بين بكين وواشنطن، إذ أن ديون بكين الهائلة على واشنطن تجعل العاصمة الصينية حساسة على أي هبوط في سعر الدولار، وهذه المسألة تضعف إمكانيات الصين في تعزيز علاقاتها النقدية مع موسكو عبر تأسيس صندوق مالي ونقدي مشترك مع باقي دول البريكس، وهناك الخلاف حول المحيطات، إذ أن موسكو تميل استراتيجياً نحو المياه الدافئة (المتوسط) ومن ثم الأطلسي، بينما تهتم الصين بشؤون المحيط الهادي.
هذه هي أهم المسائل في إطار الثلاثي المسيطر على العالم، وكل مسألة بحاجة لمتابعة ودراسة معمّقة لمعرفة مضامينها، لكن الأهم في هذا المثلث أن العالم لم يعد دائرة، مركزها وقطبها الوحيد واشنطن، وإنما أصبح مثلثاً فيه شيء من التوازن المتوتر.
الانتقال إلى التوازن المستقر مازال بعيداً. نحن اليوم في حالة ولادة جديدة لنظام عالمي يرث نظام القطب الواحد. كيف سيكون الوليد؟ هل سيخرج مشوّهاً أم صحيح البدن والروح؟ لا يستطيع أحد الإجابة..
ما يهمنا في سورية أننا فاعلون في عملية الولادة هذه، وهذا شيء جديد في التاريخ المعاصر، فلم يسبق أن لعب بلد صغير كسورية دوراً فعالاً في تكوين نظام عالمي جديد. كانت الدول الصغيرة مجرد مادة للاقتسام بين الكبار أو خاضعة لمشيئة القطب الواحد، بما في ذلك تشكيل الدول الأوروبية، سواء بعد الحرب العالمية الثانية، أم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
هل بتنا اليوم نفهم قول الرئيس الأسد لجنوده في الغوطة: إن كل تقدّم لكم في الميدان يسهم في تشكيل نظام العلاقات الدولية؟؟.
mahdidakhlala@gmail.com