في معادلة الجدوى الاقتصاديةمشروع الري الحديث.. اقتصاد في المياه والتكاليف وزيادة في الإنتاج
تساؤلات جوهرية عديدة أثارها مشروع الري الحديث، أبرزها: لماذا قررت الحكومة إطلاق مشروع الري الحديث، ودعمه بمليارات الليرات، رغم وجود قطاعات أخرى بحاجة للدعم والتدخل الفوري كمشاريع النقل الداخلي الذي يؤرق المواطن، ودعم الاحتياجات المعيشية لهذا المواطن؟ وهل المشروع فعلاً سيحقق المردود الاقتصادي المرجو منه في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها؟ وفيما إذا كانت توجد دراسات بالأرقام للجدوى الاقتصادية للمشروع، خاصة أن الإنتاج الزراعي ذو أثر تراكمي، ولن تظهر نتائجه على الاقتصاد إلا بعد عدة سنوات، كما أبدى البعض قلقهم من بقاء المشروع حبيس الأدراج كما حدث في عامي 2017-2018، خاصة أننا الآن في منتصف عام 2019 والمشروع لم يقلع في الأراضي الزراعية، ولم نشاهد سوى الخطط، والاجتماعات، والبرامج، والدراسات، وهذا ما يقلق أيضاً أصحاب المنشآت الصناعية المنتجة لمستلزمات الري الحديث الذين تمت الموافقة على دعمهم ومنحهم القروض لإعادة ترميم منشآتهم المتضررة، وإعادة إقلاع الإنتاج المتوقف فيها بسبب ظروف الأزمة؟.
الهدف الأسمى للمشروع
تعمل الحكومة على دعم كافة قطاعاتها، وجميع المشاريع، سواء كانت تتعلق بالزراعة، أو النقل، أو غيرها، كما أن وزارتي الزراعة والري والموارد المائية تعملان باهتمام على ملف الري الحديث انطلاقاً من سد العجز المائي الذي يتعرّض له القطر منذ سنوات خلت، وفقاً لما أكده لنا مدير مشروع الري الحديث في وزارة الزراعة المهندس يحيى محمد، فالعجز يتراكم مع الزمن بغض النظر عن عام الخير الذي مر به القطر، والذي جعل المواطن أو المراقب يظن أن مسألة الري ومياه الشرب مسألة ثانوية وغير جديرة بالدعم في الوقت الراهن، لكن سنة الخير هذه قد لا تتكرر في السنوات القادمة، أو قد تتكرر مرتين أو ثلاثاً، إلا أنها غير كافية لسد العجز المائي، إضافة إلى أن الأحواض المائية الأساسية تعاني عجزاً مائياً كبيراً، والسدود باتت فارغة من مخزونها تماماً، سواء في حوض اليرموك في المنطقة الجنوبية، أو حوض العاصي في المنطقة الوسطى، أو حوض الخابور في المنطقة الشرقية، ويقدر ذلك العجز المائي بكمية تتراوح من 1,5-3 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، وبشكل يهدد حتى مياه الشرب، سواء في الوقت الحالي، أو للأجيال القادمة، فالقطاع الزراعي يستهلك 87% من المياه، بينما سيوفر التحول للري الحديث، وفقاً للدراسات المعدة، من /2.8-4/ مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، وقد أثبتت الدراسات أنه يوفر في استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 35 – 55% مقارنة بطرق الري التقليدية، وهذا ما دفع للاهتمام مجدداً بمسألتي الري الحديث، وتحقيق الأمن المائي، وإعطائهما الأولوية، بغض النظر عن الأهمية الاقتصادية المرحلية بين المشاريع الأخرى، ولمنع الوقوع في مشكلة التصحر، أو الحروب المائية التي تهدد الوجود الإنساني مستقبلاً، إلا أنه لا يمكننا سلفاً تحديد ما سيحققه المشروع من وفر في العجز المائي، لأن الأراضي الزراعية تشكّل 1,2 مليون هكتار، ولا نعلم مدى استجابة الفلاحين لمشروع الري الحديث والتحول له رغم المغريات والتسهيلات المقدمة للفلاح الذي يقوم حالياً في معظم المناطق بالعودة إلى أرضه التي تعرّضت خلال الأزمة للنهب والتخريب، وتحتاج أيضاً لإعادة الإعمار.
التأكيد على الدعم وعدم التأجيل
صحيح أن المشروع تم طرحه للدراسة مجدداً في عامي 2017-2018 دون أن يوضع قيد التنفيذ، لكن ذلك لن يتكرر هذا العام، وفقاً لما أكده مدير مشروع الري الحديث، حيث إن انتصارات الجيش الكبرى بدأت منذ عامين أو ثلاثة، إلا أن معظم المناطق كانت خارج السيطرة، وهذا السبب الأساسي في عدم وضع المشروع موضع التنفيذ، أما الآن فسيتم التنفيذ الفوري للمشروع دون أي تأخر أو تأجيل بعد تحرير معظم أراضي القطر، وعودة الفلاح إلى أرضه، وبعد أن تم الانتهاء من تقييم الخسائر والدمار بالتنسيق بين وزارة الزراعة وعدة جهات ووزارات، وصولاً لإنجاز اجتماع اللجنة العليا للري الحديث، واتخاذ القرار الجريء بدعم هذا المشروع الذي سيبدأ حالياً بـ 1200 هكتار موزعة على محافظات ومناطق: (اللاذقية، طرطوس، حلب، حماة، الغاب، حمص، ريف دمشق، دير الزور)، وتطبيق إلزامية التحول للري الحديث على المساحات المخططة زراعتها بمحصول القطن في محافظة حماة ومنطقة الغاب، خاصة أن منسوب المياه فيهما قليل، والبدء بتخفيض مساحة زراعة محصول القطن بشكل تدريجي في السنة الثانية، والانتقال لزراعات أخرى متنوعة، مع المحافظة على نسبة الزيادة في الإنتاجية الناجمة عن بدء تطبيق تقنيات الري الحديث، كما تم وضع لجنة بالتنسيق مع الوزارات المعنية لضبط الأسعار والمواصفات لمعدات ومستلزمات المشروع، منعاً لاستغلال انطلاق المشروع من أية جهة كانت، أو ابتزاز الفلاح أو بيعه شبكات رديئة وغير مطابقة للمواصفات بشكل يفسد القرض والدعم الممنوح له من ضمن الرصيد الموجود لدى صندوق التحول للري الحديث حالياً البالغ (2) مليار ليرة سورية، وبالنسبة للشبكات الممولة نقداً ستكون نسبة الدعم 60% من قيمة الشبكة تقدم من الصندوق، على أن يسدد المستفيد 40% فقط من قيمة الشبكة، وبشكل نقدي، أما بالنسبة للشبكات الممولة بقرض فسيتم دعمها بنسبة 50% من ثمنها يقدمها الصندوق، على أن يسدد المستفيد 50% فقط من قيمة الشبكة دون فائدة وعلى دفعات سنوية لمدة خمس سنوات بعد أن تسبقها سنتا راحة، كما تم إصدار قرار بدعم المنشآت المنتجة لمستلزمات الري الحديث من قبل وزارة الصناعة، بعد أن تضررت أو تعثرت خلال الأحداث بمبلغ 2 مليار ليرة سورية قابلة للزيادة بحسب الحاجة، عبر منح قروض ذات فوائد مخفضة، وتشجيع تلك الشركات للابتعاد عن استيراد تلك المستلزمات قدر الإمكان تزامناً مع الحصار الاقتصادي، والحيلولة دون تحكم الدول الخارجية في سرعة تنفيذ المشروع، وتقديم كافة الدراسات، وتركيب تلك الشبكات من قبل وزارة الزراعة بشكل مجاني، أيضاً تم التأكيد خلال المشروع على تشجيع ودعم الري الجماعي، أو ما يعرف بجمعيات مستخدمي المياه التي تمنح الشخصية الاعتبارية للسماح لها بتركيب شبكات ري موحدة للفلاحين المتجاورين الذين يقومون بسقاية أراضيهم من مصدر مائي واحد، سواء كان نهراً أو بئراً بدلاً من أن يتكلّف كل فلاح عناء مد شبكة لري أو حفر بئر، ودعم تلك الجمعيات بقروض ميسرة لمدة خمس سنوات.
الأبعاد الاقتصادية
بالنسبة للميزات الاقتصادية للري الحديث هي كثيرة، ولا تخفى على أحد، بحسب المهندس يحيى محمد، لجهة توفير تكاليف اليد العاملة، والطاقة الضرورية لعملية الري، سواء كانت في مادة المازوت، أو الكهرباء من خلال تخفيض الوقت اللازم لعملية الري بنسبة قد تصل إلى 60%، وتوفير نسبة 80% من كميات السماد التي يتم وضعها مع سمّادة مرفقة بشبكات الري لتصل إلى جذور النبات بدلاً من توزيعها على كامل رقعة الأرض الزراعية، كما أن سقاية الأرض بشكل كلي بالطرق التقليدية كانت تؤدي لتكاثر الأعشاب الضارة بجانب النبات المستهدف بالري، ما يخفف الإنتاجية، ويزيد التكلفة بسبب الحاجة لليد العاملة لإزالة تلك الأعشاب، كما أن النباتات تحصل على كميات المياه نفسها، ما يحقق الانسجام في الموسم، وزيادة الإنتاج كماً ونوعاً، ولكن من الصعب إعطاء أرقام، أو إحصائيات، أو نسب دقيقة حول الوفر الاقتصادي الذي سيحققه المشروع إلا بعد مقارنة عدة مواسم متتالية مع بعضها.
نتائج ملموسة
تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع لمشروع الري الحديث وما يرافقه من مشاريع رديفة كمشاريع تعبئة مياه الشرب، ومحطات تنقية مياه الصرف الصحي، وغيرها، ستكون له انعكاسات إيجابية على كافة القطاعات، سواء المتعلقة بتحقيق الأمن المائي، أو الأمن الغذائي، أو الاقتصاد في التكاليف ومصادر الطاقة.
بشار محي الدين المحمد