الإنسانية وحرج الواقع
سعادة الرقي جمال الوعي الإنساني في طمأنينة الحال وثراء البال ما بين مقاربات تجمع الخاص بالعام, والذاتي بالموضوعي والإجرائي بالمبتكر الخلاق في كل نتاج ومنتج، أياً كان نوعه (مادياً أو معنوياً) ما دام هذا المنتج فيض خير على شرفات الرحابة الإنسانية, فمآله غنى ينابيع تنساب مهرولة ما بين السفوح ومنعطفات الوديان وسرح التضاريس اليافعة اخضراراً تموجات تموجات, ما بين مساكب ورد, واتساع حقول وبساتين ومطالع واحات.
إنه الخير سعادة البهاء، وجميل قول شاعر العقل أبي العلاء المعري:
فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا
هذا الخير الفياض هو رزانة الحكمة في حصافة الامتلاء, ومتسع الخير في كبرياء الإيثار وجوهر الحب في إشراقات المحبة لدينا، الإنسان قيمة كبرى في مرامي الإنسانية وعياً ونبوغ قناعة في شموخ عطاء، لكن القحط الذي راح يأخذ مساحات مساحات من خلال أنماط سلوكية ناتجة عن طبائع وطباع ما تزال مسطحة كأن الخبرة البشرية بما تختزن من معارف وثقافات وعلوم وتجارب ما مرت عليها، فما تزال تسكن وهاد الجاهلية الجهلاء والغرائزية المطلقة عبر ممارسات يندى لها الجبين في تصحّر أفعال أو ممارسات تنال من الإنسان والإنسانية قيماً، ومن الحضارة وجوداً ومن ثنائية التطور والتقدم كفاً لكأنها تعود إلى بعض من تصنيفات “داروين” إذ لا يعقل أن يكون الإنسان الذي تفرد بأنه كائن نوعي أن يكون مدججاً بالضغينة والتخلف والرغبة في تجاوز غيره ضمن أنانية مفرطة لا تعرف إيثاراً أو فظائعية إجرامية ترتكز على استدارة تبعيات فعله فيها حراك إجرائي عبر طاقة وظف فيها ليكون أداة ليس إلا.
إن البصيرة لدى الشاعر “زهير” عميقة الدلالة في الإدراك تحليلاً بنيوياً لمفهوم الطبع للنفوس, ولربما لا نريد أن يكون الأمر هكذا لكن يكون الانتباه لبلاغة قوله:
الظلم من شيم النفوس فإن نجد ذا عفة فلعلّة لا يظلم
إذ, ما أقسى أن يمتنع المرء عن ظلم لغيره عبر كلمة أثقل من جبل على لسان يحس بها الفطن اللماح أو نظرة من طرف عين, نتيجة طبع أو يمتنع لسبب قانوني أو خوف بدل أن يكون الامتناع سمو خلق وثقافة حضور. أو يكون فعله استقواء بظرف على صاحب عصامية في عراقة جهد ومسار حياة، لكن المشبع ثقافة والناضج وعياً لا يترك النفس على سجيتها وغرائزيتها فتعاف نبالته الطافحة برقي الوعي, وسعة فهم صروف الأيام ومدارات طباع النفوس لا يقبل أن يلوث نفسه بأنماط سلوكية توهم أصحابها قوة بظاهرة صوتية أو استعلاء على تلة في مكان فتراه يجيد الصمت يمضغه بأضراس من كتمان, جوهره بلاغة النباهة في تقدير كل حال ما أبشع ما نراه اليوم “نحن الناس” من فظائع تجتاح الإنسانية ودنيا الفلاسفة والمفكرين وأصحاب الحقوق ودنيا العقلانية وفضاءات العلوم قبل ما يصير على واقع الدول اعتداء على سيادتها ضمن مشاريع إجرامية استعلائية! قوامها النيل من الشعوب في حقوقها ومقدرات بلدانها وريادة طمأنينة الاستقرار في ديارها يتصدر ذلك الفعل السياسي المقترن بالواقع الميداني لأمريكا والصهيونية منظمة وكياناً وبعض الأنظمة التابعة لها أدوات تقدم كل التسهيلات والأموال والمقدرات خدمة لأن يكون الإجرام ناراً لا تبقي ولا تذر حتى ولو كانت تلك النار تصل إلى أبناء جلدة تلك الأنظمة ولنا في الواقع العربي حدث ولا حرج، لكأن قول الشاعر مطابق لما تعاني منه الإنسانية وتتوجع منه البشرية العاقلة, وهي تواجه قوى الشر والعدوان:
يعاف الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا
إنه لسواد قاتم أن تقرأ الأجيال وتترافد أيضاً على هذا التصحر في تلك العقول الغرائزية التي تحار كيف توقد نار البغضاء وتتلاعب بمصائر الأجيال وكينونة الحياة يضاف إلى ذلك ما تعانيه البشرية من أمراض وتحديات في المناخ وسابقاً حرب النجوم وحاجات الحياة من الرغيف إلى بعض حلم في قناعات رغائب.
إن هذا الشر المسكون في بعض الطباع الغافلة عن رسالة الحياة ومنطق الوجود في وعي العمران تمر في ذاكرة الإنسانية تاريخاً من آلام وقحطاً من وجود ودماراً في خراب وقد سال لعابها على كيدية جهل واشتهاء تبعيات مداها ما بين موت وموت وما بين دلالة إنسان في معنى وجود عطاء, ودلالة آخر في معنى موات وموت في هلاك بما قامت وتقوم به بحق الإنسان والشجر والحجر، ومعبر جداً قول الجواهري:
لم يبق في الغاب من ذئب به كَلَبٌ إلا ومن دمنا في نابه لعق
نزار بدّور